إلخ، فظاهر الرواية الثانية أن قول عثمان لعبد الله: ألا نزوجك .... ؟ إلخ كان بعد عودة علقمة لهما، ويؤكد هذا ما جاء في بعض الروايات بلفظ "فانتهيت إليه، وهو يقول: ألا نزوجك ... "؟ وظاهر الرواية الأولى أن قول عثمان لعبد الله:"ألا نزوجك ... " كان قبل عودة علقمة، وقد جمع الحافظ ابن حجر بين هذين المتعارضين ظاهراً بأنه يحتمل أن يكون عثمان أعاد على ابن مسعود -بعد عودة علقمة- ما كان قد قاله له قبل عودة علقمة، لكونه فهم منه إرادة إعلام علقمة بما كان.
(يا معشر الشباب) المعشر هم الطائفة الذين يشملهم وصف، فالشباب معشر، والشيوخ معشر، والعلماء معشر، والنساء معشر، والشباب جمع شاب، ويجمع أيضاً على شببة، وشبان، بضم الشين وتشديد الباء، وذكر الأزهري أنه لم يجمع فاعل على فعلان غيره، وأصله الحركة والنشاط، وهو اسم لمن بلغ إلى أن يكمل ثلاثين سنة، هكذا أطلق الشافعية، وقال القرطبي في المفهم: يقال له: "حدث" بفتح الحاء والدال -إلى ستة عشر- والحداثة سن الشباب- ثم شاب إلى اثنتين وثلاثين، ثم كهل، وكذا ذكر الزمخشري، وقال ابن شاس المالكي: إلى الأربعين، وقال النووي: الأصح المختار أن الشاب من بلغ ولم يجاوز الثلاثين، ثم هو كهل إلى أن يجاوز الأربعين، ثم هو شيخ، وقال الروياني في وظائفه من جاوز الثلاثين سمي شيخاً، زاد ابن قتيبة: إلى أن يبلغ الخمسين. قال أبو إسحق الإسفرايني عن الأصحاب: المرجع في ذلك إلى اللغة، وأما بياض الشعر فيختلف باختلاف الأمزجة. اهـ
ووجه الخطاب للشباب لأن الغالب وجود قوة الداعي فيهم إلى النكاح، فهم مظنة شهوة النساء، ولا ينفكون عنها غالباً، بخلاف الشيوخ، وإن كان المعنى معتبراً إذا وجد السبب في الشيوخ والكهول أيضاً.
(من استطاع منكم الباءة فليتزوج) قال النووي: "الباءة" فيها أربع لغات، حكاها القاضي عياض: الفصيحة المشهورة بالمد والهاء، الثانية "الباة" بلا مد، والثالثة "الباء" بالمد بلا هاء، والرابعة "الباهة" بهاءين بلا مد، وأصلها في اللغة الجماع، مشتقة من الباءة، وهي المنزل، ومنه مباءة الإبل، وهي مواطنها، ثم قيل لعقد النكاح باءة، لأن من تزوج امرأة بوأها منزلاً.
ثم قال: واختلف العلماء في المراد بالباءة هنا على قولين، يرجعان إلى معنى واحد، أصحهما أن المراد معناها اللغوي، وهو الجماع، فتقديره من استطاع منكم الجماع، لقدرته على مؤنه، وهي مؤن النكاح فليتزوج، ومن لم يستطع الجماع، لعجزه عن مؤنه فعليه بالصوم، ليدفع شهوته، ويقطع شر منيه، كما يقطعه الوجاء. والقول الثاني أن المراد هنا بالباءة مؤن النكاح، سميت باسم ما يلازمها، وتقديره: من استطاع منكم مؤن النكاح فليتزوج، ومن لم يستطعها فليصم، ليدفع شهوته.
قال: والذي حمل القائلين بهذا على هذا قوله صلى الله عليه وسلم "ومن لم يستطع فعليه بالصوم" قالوا: والعاجز عن الجماع لا يحتاج إلى الصوم لدفع الشهوة، فوجب تأويل الباءة على المؤن. اهـ
قال الحافظ ابن حجر: ولا مانع من الحمل على المعنى الأعم -أي معنى الجماع ومؤنة النكاح.
ويراد بالباءة القدرة على الوطء ومؤن التزويج، وكأنه يرشد من لا يستطيع الجماع من الشباب