بالصوم مرتب على عدم الاستطاعة، ولا استحالة أن يقول القائل: أوجبت عليك كذا، فإن لم تستطع فأندبك إلى كذا.
والتحقيق أن النكاح تلحقه الأحكام الشرعية المختلفة، لاختلاف الظروف التي تحيط به.
فالنكاح في حق من يخل بالزوجة في الوطء، ويعرضها للفحش، فلا يعفها لعدم قدرته أو عدم حاجته، ومن لا يستطيع الإنفاق فيعرض الزوجة للهلاك أو الانحراف. النكاح في مثل هذه الحالات حرام، لأنه يؤدي إلى الحرام.
والنكاح في حق من خاف العنت والزنا، ولا ينكف عن الزنا إلا به، وهو قادر عليه دون موانع، النكاح في حقه واجب، لأن الإعفاف واجب، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
وعلى هذه الحالة يحمل ما جاء بالوجوب عند أحمد، إذ المشهور عنه أنه لا يجب للقادر التائق إلا إذا خشي العنت، وما جاء بالوجوب في عبارة المازري إذ قال: الذي نطق به مذهب مالك أنه مندوب، وقد يجب عندنا في حق من لا ينكف عن الزنا إلا به. وعبارة القرطبي إذ يقول: المستطيع الذي يخاف الضرر على نفسه ودينه من العزوبة بحيث لا يرتفع عنه ذلك إلا بالتزويج لا يختلف في وجوب التزويج عليه، وعبارة ابن دقيق العيد حيث جعل الوجوب فيما إذا خاف العنت، وقدر على النكاح، وتعذر التسري.
والنكاح إذا قصد به معنى شرعي ممدوح من كسر شهوة، وإعفاف نفس، وتحصين فرج، ورغبة في نسل، مع القدرة عليه، وعدم الموانع هو مستحب، وعلى هذه الحالة يحمل قول القاضي عياض: هو مندوب في حق كل من يرجى منه النسل، ولو لم يكن له في الوطء شهوة، وكذا في حق من له رغبة في نوع من الاستمتاع بالنساء غير الوطء.
والنكاح في حق غير التائق، وغير الخائف من العنت مكروه إذا كان سيحول بينه وبين طاعة واجبة أو مستحبة كطلب علم وحج فرض، وكذا نكاح من لا ينسل إذا لم ترض الزوجة بذلك.
بقي النكاح لمن لا أرب له في النساء، ولا في الاستمتاع، وبعبارة أخرى النكاح من حيث هو نكاح بقطع النظر عن الظروف الرافعة من قدره، وبقطع النظر عن الظروف الموصلة إلى آفاته. هل هو مباح؟ أو مستحب؟ يرى جمهور الشافعية أن من يجد المؤن ولا تتوق للنكاح نفسه، أن ترك النكاح للتخلي للعبادة أفضل. قال النووي: ومذهب أبي حنيفة وبعض أصحاب الشافعي وبعض أصحاب مالك أن النكاح أفضل.
يحتج للأولين بقوله تعالى في حق يحيى عليه السلام {وسيداً وحصوراً} [آل عمران: ٣٩]. وهو الذي لا يأتي النساء مع القدرة على إتيانهن، فمدح الله به، ولو كان النكاح أفضل ما مدح به.
ورد هذا الاحتجاج بأنه ليس في مدح حال يحيى عليه السلام بذلك ما يدل على أنه أفضل من النكاح، فإن مدح الصفة في ذاتها لا يقتضي ذم غيرها، فقد تكون الصفة حسنة وغيرها أحسن منها. فالجهاد المندوب حسنة، وعدمه لبر الوالدين أحسن منه، والنكاح تميز