مواطن الذل والهوان: وفيها يقول الله تعالى: {ولا تصعر خدك للناس} ومن العزة الترفع على أهل الكبر، والاعتزاز بالإسلام على أعداء الإسلام.
٢ - وليس من قبيل الكبر لبس الجميل من الثياب، وتحسين الهيئة والصورة، ما لم يصحبه عجب في النفس، وخيلاء في الإحساس والشعور، وفي ذلك يقول الله تعالى:{قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق}[الأعراف: ٣٢]. {يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا}[الأعراف: ٣١]. ويقول صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري "كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا في غير إسراف ولا مخيلة" ويقول ابن عباس: "كل ما شئت، والبس ما شئت، ما أخطأتك اثنتان: سرف أو مخيلة".
نعم وردت أحاديث تنهى عن جر الثياب، لكنها مقيدة بالجر على سبيل الخيلاء، فقد روى البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا ينظر الله إلى من جر ثوبه خيلاء" وقال: "من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة" فقال أبو بكر: يا رسول الله إن أحد شقي إزاري يسترخي إلا أن أتعاهد ذلك منه. فقال صلى الله عليه وسلم:"لست ممن يصنعه خيلاء".
فالتقييد بجر الثياب خرج مخرج الغالب، والذم موجه إلى البطر والتبختر ولو لمن شمر ثوبه، إذ الحديث الذي معنا يمتدح أن يحب الرجل ثوبه الحسن ونعله الحسنة. قال الحافظ ابن حجر: والذي يجتمع من الأدلة أن من قصد بالملبوس الحسن إظهار نعمة الله عليه مستحضرا لها شاكرا عليها، غير محتقر لمن ليس له مثله لا يضره ما لبس من المباحات، ولو كان في غاية النفاسة، فقد أخرج الترمذي قوله صلى الله عليه وسلم:"إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده".
أما من أحب ذلك ليتعظم به على صاحبه فهو المذموم، لما أخرجه الطبري من حديث علي "إن الرجل يعجبه أن يكون شراك نعله أجود من شراك صاحبه فيدخل في قوله تعالى: {تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا}[القصص: ٨٣].
فمدار الذم الكبر والعجب والخيلاء لا جمال الثوب أو نفاسته، بل إن التجمل والتطيب ولبس أحسن ما عند المرء من الثياب من مقاصد الشرع الحنيف عند المجتمعات، كالجمع والأعياد ولقاء الوفود والكبراء، ففي الموطأ "ما على أحدكم لو اتخذ ثوبين لجمعته سوى ثوبي مهنته" إذ بذلك تقبل النفوس، وتجتمع القلوب، وتتآلف الناس، ويترابط المجتمع، وليست مجالسة نافخ الكير كمجالسة حامل المسك، فقد أخرج النسائي وأبو داود عن عوف بن مالك عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له - ورآه رث الثياب-: "إذا آتاك الله مالا فلير أثره عليك" فالسنة أن يلبس المرء ثيابا تليق بحاله من النفاسة والنظافة ليعرفه المحتاجون للطلب منه مع مراعاة القصد وترك الإسراف، اللهم إلا إذا أثار هذا اللباس في الناس مظنة الكبر والخيلاء عند صاحبه فيحسن التخلي عنه لرفع الاتهام، وليست مظاهر الكبر وبواعثه محصورة في الثياب وحسن الهيئة، فقد يغتر ويزهو العالم بعلمه، والغني بماله، وذو الجاه بجاهه، والقوي بسواعده وعضلاته، وإنما أفضنا في اللباس لأنه الذي يظهر به الخيلاء غالبا.