والمالكية يقولون: إن لها حق المطالبة بالوطء إذا قصد بتركه إضرارها، وحيث إن العزل فيه تفويت كمال لذتها بالوطء فمن جعل لها حق المطالبة بالوطء اشترط إذنها وموافقتها على العزل، وكان المفروض أن من قال: لا حق لها في الوطء يقول: لا رأي لها في العزل، لكن أبا حنيفة يقول: لا يعزل عن الحرة بدون إذنها. وعلى هذا فقد اتفقت المذاهب الثلاثة المالكية والحنفية والحنابلة على أن الحرة لا يعزل عنها إلا بإذنها، وأن الأمة يعزل عنها بغير إذنها. وعليه قال ابن عبد البر: لا خلاف بين العلماء أنه لا يعزل عن الزوجة الحرة إلا بإذنها، لأن الجماع من حقها، ولها المطالبة به، وليس الجماع المعروف إلا ما لا يلحقه عزل. وتعقب هذا بما عند الشافعية من أن المرأة لا حق لها في الجماع أصلاً، لكن بين الشافعية في خصوص العزل خلاف مشهور، قيل: يجوز العزل عن الحرة بغير إذنها وبغير رضاها، وهو المصحح عند المتأخرين، وقيل: لا يجوز بغير إذنها، ويمنع إذا امتنعت، وفيما لو رضيت وجهان، أصحهما الجواز. هذا في العزل بدون هدف، أي بدون نظر إلى الحمل وعدمه، كالعزل عن الكبيرة في سن اليأس، والعزل عن الحامل، ونحو ذلك.
ويلحق به العزل بهدف مشروع، ويمثل له بالحفاظ على صحة الأم، أو صحة الطفل الرضيع، وإن كان الأولى ترك العزل، لأن الصحة هبة من الله والحمل هبة من الله، فلو أراد الصحة للأم والرضيع وهبها مع عدم العزل، ولو أراد عدمها كان مع العزل، ولذلك حينما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الحالة رخص بها، ثم نفى فائدتها، فقد روى مسلم من حديث أسامة بن زيد قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إني أعزل عن امرأتي شفقة على ولدها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن كان ذلك فلا، ثم قال: ما ضر ذلك فارس ولا الروم" وسيأتي هذا الحديث بعد باب واحد. ويلحق به أيضاً العزل عن الأمة خشية أن تحمل فتصير أم ولد، فلا تباع. وهو ما كان عند الصحابة في الحالة والظروف التي سيقت لها أحاديث الباب.
أما العزل خشية الفقر، وخشية ضيق الرزق على الأولاد، وخشية عدم القدرة على القيام بحسن تربيتهم، ومثله ادعاء الدولة أن كثرة النسل تأكل محاولات التنمية، وتبقى الأمة فقيرة ضعيفة، فهذا هدف وقصد غير مشروع، والعزل عليه حرام، حتى لو رضيت الزوجة لأمور:
الأول: أن الرزق بيد الله وحده {وفي السماء رزقكم وما توعدون فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون}[الذاريات: ٢٢]. {وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها}[هود: ٦]. وقد رأينا بلاداً ترزق من باطن الأرض من غير جهد، وبلاداً تكد وتتعب ورزقها محدود.
الثاني: أن كل مولود له رزقه، وقد يكون رزق أبيه ورزق إخوته تابعاً لرزق الولد الثالث أو الرابع أو الخامس، والله تعالى يقول {ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم}[الإسراء: ٣١]. ويقول {ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم}[الأنعام: ١٥١]. وقد رأينا أسراً كانت نجدتها وعزها وسؤددها في ابنها الخامس أو السادس، وأمامنا قصة يوسف عليه السلام.
الثالث: أن الذي يكتفي بولد أو ولدين لا يضمن بقاءهما وحياتهما، فالموت حق، وقد يلحقهما حين لا تجدي المحاولة للحمل بعد فوات الأوان. والشواهد لذلك في حياتنا كثيرة.
الرابع: أن الولد قوة، ومصدر كسب، ومبعث عزة ومنعة، يقول تعالى {وجعلت له مالاً ممدوداً