للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

١ - وقد ذهب الخوارج إلى أن المعصية تضر الإيمان، وتجعل صاحبها كافرا مخلدا في النار، وإن شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله.

٢ - وذهب المعتزلة إلى أن العاصي بالكبيرة مخلد في النار، ولا يوصف بأنه مؤمن ولا بأنه كافر وإن شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله.

وهذه الأحاديث تدفع هذين المذهبين وتردهما، وحديث أبي ذر الذي معنا قاطع في إبطالهما، مبعد تأويلاتهما الزائفة.

٣ - وذهب غلاة المرجئة إلى أن مظهر الشهادتين يدخل الجنة وإن لم يعتقد ذلك بقلبه، وهذه الأحاديث وما معنا هنا وإن كان ظاهرها في مجموعها يوافقهم لكن في بعضها ما يرد عليهم، كقوله: "غير شاك" وقوله: "مستيقنا بها قلبه" وقوله: "وهو يعلم أن لا إله إلا الله" كل هذه النصوص ترد ما ذهبوا إليه، وتوجب اعتقاد القلب، فضلا عن الآيات القاطعة بأن المنافقين في الدرك الأسفل من النار.

٤ - وقال بعضهم: إن مجرد معرفة القلب نافعة وإن لم ينطق بالشهادتين، وظاهر قوله في بعض الروايات، "وهو يعلم" يؤيدهم لكن يعارضهم لفظ "من كان آخر كلامه" ولفظ "من قال" ولفظ "ما من عبد قال" إذ فيها طلب القول. وجمعا بين الأحاديث وجب القول بأنه لا ينفع الاعتقاد وحده، ولا ينفع النطق وحده.

٥ - ومذهب أهل السنة - وهو الذي يعنينا، ونحرص على عدم تعارضه مع الأحاديث وهو الذي نؤمن بأنه الحق- أن العاصي الذي يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله مستيقنا بها قلبه، هو مؤمن وإن ارتكب الكبائر، ومصيره الجنة وإن عوقب بالنار على ذنوبه ويقولون:

بما أن النصوص تظاهرت ودلت دلالة قطعية على أن بعض العصاة المؤمنين يعذبون فإنه ينبغي ألا تؤخذ أحاديث الباب على ظاهرها ولا على عمومها، وأنه ينبغي أن تحمل محملا يتفق والنصوص المتظاهرة القطعية.

وللوصول إلى هذه الغاية تعددت توجيهاتهم، فمنهم من قال:

أ - إن هذه الأحاديث كانت قبل نزول الفرائض، وينسب هذا القول إلى ابن المسيب كما يعزى إلى ابن شهاب قوله: ثم نزلت بعد ذلك الفرائض وأمور نرى الأمر قد انتهى فمن استطاع ألا يغتر فلا يغتر.

وفي هذا القول نظر. بل قال النووي: إنه ضعيف باطل لأن راوي أحد هذه الأحاديث أبو هريرة، وهو متأخر الإسلام، أسلم عام خيبر سنة سبع باتفاق، وكانت أحكام الشريعة مستقرة، وكانت الصلاة وأكثر الواجبات قد تقرر فرضها، ويؤيد النووي في رد هذا القول ذكر الزنا والسرقة في حديث أبي ذر.

ب - وقال بعضهم: إن مطلق هذه الأحاديث مقيد بمن عمل عملا صالحا، لقوله تعالى:

<<  <  ج: ص:  >  >>