{إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا ... }{قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا}[الكهف: ١٠٧ - ١١٠].
جـ- وقال بعضهم: إن مطلق هذه الأحاديث مقيد بمن شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، تائبا مقبول التوبة ثم مات على ذلك.
قال بعض المحققين: قد يتخذ من أمثال هذه الأحاديث ذريعة إلى طرح التكاليف وإبطال العمل ظنا أن ترك الشرك كاف، وهذا يستلزم طي بساط الشريعة وإبطال الحدود، وأن الترغيب في الطاعة، والتحذير عن المعصية لا تأثير له، فلا ينبغي التمسك بأحاديث الرجاء وحدها لأنه -وقد ثبت كذلك أحاديث الخوف - يجب ضم بعضها إلى بعض فإنها كلها حينئذ في حكم الحديث الواحد فيحمل مطلقها على مقيدها ليحصل العمل بجميع ما في مضمونها.
د - وقيل: إن أحاديث الباب خرجت مخرج الغالب، إذ الغالب أن الموحد يعمل الطاعات ويجتنب المعاصي، فكأنه قال: الغالب والشأن فيمن قال: لا إله إلا الله مخلصا أن يدخل الجنة وتحرم عليه النار.
هـ- وأظهر الأقوال وأحراها بالقبول أن المراد من دخول الجنة في الأحاديث أنه المآل عاجلا أو آجلا، من غير دخول النار للبعض وبعد دخول النار للبعض الآخر، من غير دخول النار لمن مات تائبا مقبول التوبة، أو سليما من المعاصي، أو شمله عفو الله ورحمته، وبعد دخول النار لمن أذنب وأخذ بذنبه، ففي الحديث:"من قال لا إله إلا الله نفعته يوما من الدهر، أصابه قبل ذلك ما أصابه".
قال النووي: مذهب أهل السنة بأجمعهم أن أهل الذنوب في المشيئة، وأن من مات موقنا بالشهادتين يدخل الجنة، فإن كان دينا أو سليما من المعاصي دخل الجنة برحمة الله، وحرم على النار، وإن كان من المخلطين بتضييع الأوامر أو بعضها، وارتكاب النواهي أو بعضها ومات عن غير توبة فهو في خطر المشيئة، وهو بصدد أن يمضي عليه الوعيد إلا أن يشاء الله أن يعفو عنه فإن شاء أن يعذبه فمصيره الجنة.
وقال الزين ابن المنير: حديث أبي ذر ونحوه من أحاديث الرجاء التي أفضى الاتكال عليها ببعض الجهلة إلى الإقدام على الموبقات، وليس هو على ظاهره، فإن القواعد استقرت على أن حقوق الآدميين لا تسقط بمجرد الموت على الإيمان، ولكن لا يلزم من عدم سقوطها ألا يتكفل الله بها عمن يريد أن يدخله الجنة، ومن هنا رد رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي ذر استبعاده.
والحديث الأول (حديث ابن مسعود) وقع كذلك في أصول صحيح مسلم وصحيح البخاري "وقلت أنا: ومن مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة" ووجد في بعض أصول مسلم المعتمدة عكس هذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة، وقلت أنا: ومن مات يشرك بالله شيئا دخل النار".