أشار إلى أخيه بحديدة لعنته الملائكة" ولأحمد "مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوم في مجلس يسلون سيفا يتعاطونه بينهم غير مغمود، فقال: ألم أزجر عن هذا؟ لعن الله من فعل هذا، إذا سل أحدكم سيفه، فأراد أن يناوله أخاه فليغمده، ثم يناوله إياه". قال ابن العربي: إذا استحق الذي يشير بالحديدة اللعن فكيف الذي يصيب بها؟ .
قال الحافظ ابن حجر: وإنما يستحق اللعن إذا كانت إشارته تهديدا سواء أكان جادا أم لاعبا، وإنما أوخذ اللاعب لما أدخله على أخيه من الروع، ولما يخاف من الغفلة عند الإشارة فيحصل الإيذاء من غير قصد، ولا يخفى أن إثم الهازل دون إثم الجاد.
وهذا الحديث يفرض علينا تساؤلا عن موقف الصحابة حين قاتل بعضهم بعضا في موقعة الجمل وصفين وغيرهما، هل كانوا يجهلون هذه الأحاديث ووعيدها؟ أو أقدموا وهم يعلمونها ويؤولونها؟
بسط القول على هذا التساؤل سيأتي إن شاء الله في كتاب الفتن، وخلاصته أن الصحابة كانوا -كما نعلم- ثلاث فرق: فرقة مع علي رضي الله عنه، وفرقة مع خصومه، وفرقة توقفت وفرت من الفتنة ولم تدخل المعارك.
أما الفرقة الأولى: فقد حملت الحديث على البغاة وعلى من بدأ بالقتال ظالما، أما من قاتل البغاة من أهل الحق فإنه لا يتناوله الوعيد المذكور.
وأما الفرقة الثانية: فقد حملته على الذين يقاتلون من غير تأويل واجتهاد، أو من قصر نظره عن معرفة صاحب الحق، أو الذين يقاتلون لطلب الدنيا والملك، أما الذين يحملون السلاح لنصرة الحق فإنه لا يتناولهم الوعيد المذكور.
قال الطبري في تبرير موقف هاتين الفرقتين: لو كان الواجب في كل اختلاف يقع بين المسلمين الهرب منه بلزوم المنازل وكسر السيوف لما أقيم حد، ولما أبطل باطل، ووجد أهل الفسوق سبيلا إلى ارتكاب المحرمات، وإلى أخذ الأموال، وسفك الدماء، وسبي الحريم، بأن يحاربوهم ويكف المسلمون أيديهم عنهم، بأن يقولوا: هذه فتنة، وقد نهينا عن القتال، وهذا مخالف للأمر بالأخذ على أيدي السفهاء. اهـ
وأما الفرقة الثالثة: فقد أحست أن هذا النذير شامل لرفع السلاح على المؤمن أيا كان دافعه، مادام بغير الثلاث الواردة، النفس بالنفس، والثيب الزاني، والمفارق لدينه التارك للجماعة.
وقد اختلفت هذه الفرقة في طريقة العمل، فقالت طائفة بلزوم البيوت، وقالت طائفة بالتحول عن بلد الفتن أصلا, ثم اختلفوا: فمنهم من قال، إذا هجم عليه شيء من ذلك يكف يده ولو قتل، ومنهم من قال: بل يدافع عن نفسه وعن ماله وعن أهله، وهو معذور إن قتل أو قتل.
وظاهر الحديث مع هذه الفرقة، بل تؤيدهم أحاديث كثيرة في الفتن، منها ما رواه البخاري "ستكون فتنة، القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، من تشرف لها تستشرفه، فمن وجد ملجأ أو معاذا فليعذ به"، وما رواه مسلم "فإذا نزلت فمن