الإمام، وكأنه قال: لا أشهد لأن الإمام ليس من شأنه أن يشهد، وإنما من شأنه أن يحكم. حكاه الطحاوي، وارتضاه ابن القصار، وتعقب بأنه لا يلزم من كون الإمام ليس من شأنه أن يشهد، أن يمتنع من تحمل الشهادة، ولا من أدائها إذا تعينت عليه.
ويجيبون بأن مقدمة الحرام لا يلزم أن يكون حرامًا، ولا يلزم من وقوع التفاضل وقوع قطيعة الرحم، فقد يكون هذا التفاضل تافها في نظر الآخرين، أو معقول السبب فلا يحصل عقوق.
وحكى ابن عبد البر عن مالك أن الموهوب للنعمان كان جميع مال والده، ولذلك منعه، فليس فيه حجة على منع التفضيل وتعقب بأن كثيرًا من طرق الحديث صرح بالبعضية، كروايتنا الرابعة، وفيها "تصدق على أبي ببعض ماله" والخامسة وفيها "بعض الموهبة من ماله" والثامنة وفيها "من مالي" ومنها يعلم على القطع أنه كان له مال غير هذه العطية.
وحكى الطحاوي أنما حدث كان من قبيل الاستشارة والنصيحة، فقد جاء بشير يستشير النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، فأشار عليه بأن لا تفعل. لكن في أكثر طرق الحديث ما يعارضه.
وتمسك بعضهم بملحق روايتنا التاسعة، ولفظها "فقاربوا بين أولادكم" وقال: إنه المحفوظ، فالمطلوب من التسوية المقاربة ولا يخفى بعده.
وقال بعضهم: إن التشبيه الواقع في التسوية بين الأولاد بالتسوية منهم في بر الوالدين قرينة على أن المراد بالأمر بالتسوية الندب.
كما استدل الجمهور بظاهر حديث "أنت ومالك لأبيك" لأنه إذا كان المال للأب، ووهب منه شيئًا لولده كان كأنه قد وهب مال نفسه لنفسه، قال المحققون: والحديث صحيح، رواه ابن ماجه في سننه بسند قال ابن القطان: صحيح، وقال المنذري: رجاله ثقات، ورواه أيضًا ابن حبان في صحيحه، والطبراني في معجمه.
كما استدلوا بعمل الخليفتين أبي بكر وعمر، بعد النبي صلى الله عليه وسلم، ففي الموطأ بإسناد صحيح عن عائشة "أن أبا بكر قال لها في مرض موته: إني كنت نحلتك نحلاً، فلو كنت اخترتيه لكان لك، وإنما هو اليوم للوارث".
وذكر الطحاوي وغيره أن عمر بن الخطاب نحل ابنه عاصمًا، دون سائر ولده.
وأقوى ما استدل به الجمهور أن الإجماع انعقد على جواز عطية الرجل ما له لغير ولده، فإذا جاز له أن يخرج جميع ولده من ماله - وفي ذلك احتمال عقوق من جميعهم - جاز له أن يخرج عن ذلك بعضهم. فإن قيل: هذا قياس مع وجود النص؟ أجيب بأنه يمتنع القياس مع وجود النص إذا ترك النص على الإطلاق، أما إذا عمل بالنص على وجه من الوجوه - كما ذكرنا - فلا يمتنع. والله أعلم.
-[ويؤخذ من الأحاديث فوق ما تقدم]-
١ - استدل به على أن للأب أن يرجع فيما وهبه لابنه، وعند أكثر الفقهاء أن الأم كذلك، وقال المالكية: للأم أن ترجع إن كان الأب حيًا، دون ما إذا مات، وقيدوا رجوع الأب بما إذا كان الابن الموهوب له لم يستحدث دينًا، أو ينكح، وبذلك قال إسحاق، وقال الشافعي: للأب الرجوع مطلقًا، وقال أحمد: لا يحل لواهب أن يرجع في هبته مطلقًا، وقال الكوفيون: إن كان الموهوب له صغيرًا لم