للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الشافعي: أن النذر مكروه، لثبوت النهي عنه، وكذا نقل عن المالكية، واحتجوا بأنه ليس طاعة محضة، لأنه لم يقصد به خالص القربة، وإنما قصد أن ينفع نفسه، أو يدفع عنها ضررًا، بما التزمه، وجزم الحنابلة بالكراهة وعندهم رواية في أنها كراهة تحريم، وتوقف بعضهم في صحتها. قال الترمذي -بعد أن ترجم: كراهة النذر - والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم، كرهوا النذر.

وقال ابن المبارك: معنى الكراهة في النذر في الطاعة أنه إن وفى به فله فيه أجر، ويكره له النذر، قال ابن دقيق العيد: وفيه إشكال على القواعد، فإنها تقتضي أن الوسيلة إلى الطاعة طاعة، كما أن الوسيلة إلى المعصية معصية، والنذر وسيلة إلى التزام القربة، فيلزم أن يكون قربة، إلا أن الحديث دل على الكراهة، ثم أشار إلى التفرقة بين نذر المجازاة، فحمل النهي عليه، وبين نذر الابتداء، فهو قربة محضة، وقال ابن أبي الدم: القياس استحبابه، والمختار أنه خلاف الأولى، وليس بمكروه. قال الحافظ ابن حجر: ونوزع بأن خلاف الأولى ما اندرج في عموم نهي، والمكروه ما نهي عنه بخصوصه، وقد ثبت النهي عن النذر بخصوصه، فيكون مكروهًا، وأقل درجاته أن يكون مكروهًا كراهة تنزيه.

وذهب بعض الشافعية إلى أن نذر الطاعة مستحب، لأن الله أثنى على من وفى به، ولأنه وسيلة إلى القربة، فيكون قربة.

وتوسط بعضهم، فقال: الذي دل الخبر على كراهته نذر المجازاة، وأما نذر التبرر فهو قربة محضة، ووجه الكراهة في نذر المجازاة أنه لما وقف فعل القربة على حصول الغرض المذكور ظهر أنه لم يتمحص له نية التقرب إلى الله تعالى، بل سلك فيها مسلك المعاوضة، ويوضحه أنه لو لم يحصل له المعلق عليه لم يفعل المعلق، وهذه حالة البخيل، فإنه لا يخرج شيئًا من ماله إلا بعوض عاجل، يزيد على ما أخرج غالبًا.

وقد حمل بعضهم النهي على من علم من حاله عدم القيام بما التزمه. وهو بعيد. والله أعلم.

-[ويؤخذ من الأحاديث فوق ما تقدم]-

(١) من الرواية الأولى، من قوله "فاقضه عنها" دليل لقضاء الحقوق الواجبة على الميت. أما الحقوق المالية فمجمع عليها، وأما البدنية ففيها خلاف، قدمناه قريبًا في كتاب الوصية. قال النووي: ثم إن مذهب الشافعي وطائفة أن الحقوق المالية الواجبة على الميت، من زكاة وكفارة ونذر، يجب قضاؤها، من تركته، سواء أوصى بها أم لا، كديون الآدمي، وقال أبو حنيفة ومالك وأصحابهما: لا يجب قضاء شيء من ذلك إلا أن يوصى به، ولأصحاب مالك خلاف في الزكاة إذا لم يوص بها.

ثم قال: واعلم أن مذهبنا ومذهب الجمهور أن الوارث لا يلزمه قضاء النذر الواجب على الميت، إذا كان غير مالي، ولا إذا كان ماليًا ولم يخلف تركة، لكن يستحب له ذلك، وقال أهل الظاهر: يلزمه ذلك، لحديث سعد هذا. اهـ ولكن يمكن أن يكون سعد قضاه من تركتها، أو تبرع به. قاله الحافظ ابن حجر.

<<  <  ج: ص:  >  >>