اقتصر هذا الحديث على ثلاث من طرق الانتحار وقتل النفس لما أنها هي التي كانت شائعة آنذاك، فهي أمثلة فقط، وليست للحصر، فيقاس عليها: من تردى في بحر فغرق، ومن أشعل في نفسه نارا فاحترق. وقد جاءت بعض الروايات بطريقة أخرى غير الطرق الثلاثة المذكورة فقد روى البخاري "الذي يخنق نفسه يخنقها في النار" كما جاءت بعض الروايات بلفظ العموم، فقد روي في الحديث الآتي:"ومن قتل نفسه بشيء في الدنيا عذب به يوم القيامة".
وقد تمسك المعتزلة وغيرهم ممن قال بتخليد أصحاب المعاصي في النار بقوله "في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا" على أن مرتكب الكبيرة مخلد في النار، ولما كان أهل السنة لا يقولون بتخليد العصاة من الموحدين في النار، وكانت الأحاديث الصحيحة تدل على أن مصير المؤمنين الجنة أجاب أهل السنة عن ظاهر الحديث بعدة إجابات منها:
١ - ذهب بعضهم إلى توهين ورد رواية "خالدا مخلدا فيها أبدا" لورود الحديث بدونها في كثير من الروايات الصحيحة، ورفض هذا الرأي أولى من رد الرواية وهي صحيحة.
٢ - وقال بعضهم: إن المراد خالدا مخلدا فيها إلى أن يشاء الله، وهذا القول يضعفه التعبير بلفظ "أبدا".
٣ - وقيل: المراد بالخلود طول المدة، لا حقيقة الدوام، كأنه يقول: يخلد مدة معينة ويبعده أيضا لفظ "أبدا".
٤ - وقيل: ورد الحديث في رجل بعينه، وليس القصد منه الحكم العام، ويبعده تعديد طرق الانتحار، والرجل المعين انتحر بطريقة معينة.
٥ - وقيل: ورد الحديث مورد الزجر والتغليظ، وحقيقته غير مرادة، وهذا ضعيف أيضا.
٦ - وقيل: المعنى أن هذا جزاؤه الأصلي، لكن الله قد تكرم على الموحدين فأخرجهم من النار بتوحيدهم، وهو مردود أيضا بعبارات الحديث الواضحة في وقوع هذا الجزاء لكل منتحر.
٧ - وقيل: إن الحديث محمول على من استحل هذا الفعل، فإنه باستحلاله يصير كافرا، والكافر مخلد بلا ريب، وهذا الرأي أقرب للقبول من سوابقه.
٨ - والأولى أن يقال: إن الجزاء المذكور هو الجزاء إن لم يتجاوز الله عنه، هذا وقد نقل عن الإمام مالك: أن قاتل النفس لا تقبل توبته، ومقتضاه أنه لا يصلى عليه، وقد روى أصحاب السنن:"أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى برجل قتل نفسه بمشاقص فلم يصل عليه". وفي رواية للنسائي أنه قال:"أما أنا فلا أصلي عليه".