١ - أما الحلف بملة غير الإسلام فقد قال بعض الشافعية: ظاهر الحديث أنه يحكم عليه بالكفر إذا كان كاذبا، والتحقيق التفصيل، فإن اعتقد تعظيم ما ذكر كفر، وإن قصد حقيقة التعليق فينظر، فإن كان أراد أن يكون متصفا بذلك إن وقع الفعل كفر، لأن إرادة الكفر كفر، وإن أراد البعد عن ذلك الفعل لم يكفر، لكن هل يحرم عليه ذلك؟ أو يكره تنزيها؟ الثاني هو المشهور. قاله الحافظ ابن حجر.
ثم قال: وينقدح بأن يقال: إن أراد تعظيمها باعتبار ما كانت قبل النسخ لم يكفر أيضا.
وقال ابن المنذر: قوله "فهو كما قال" ليس على إطلاقه في نسبته إلى الكفر، بل المراد أنه كاذب ككذب المعظم لتلك الجهة.
وقال النووي: قوله "كاذبا" ليس المراد به التقييد والاحتراز من الحلف بها صادقا، لأنه لا ينفك الحالف بها عن كونه كاذبا، وذلك لأنه لا بد أن يكون معظما لما حلف به، فإن كان معتقدا عظمته بقلبه فهو كاذب في ذلك، وإن كان غير معتقد ذلك بقلبه فهو كاذب في الصورة، لكونه عظمه بالحلف، وإذا علم أنه لا ينفك عن كونه كاذبا حمل التقييد بـ"كاذبا" على أنه بيان لصورة الحالف، ويكون التقييد خرج على سبب فلا يكون له مفهوم.
وقال بعضهم: يحتمل أن يكون المراد بهذا الكلام التهديد والمبالغة في الوعيد، لا الحكم، وكأنه قال: فهو مستحق مثل عذاب من اعتقد ما قال، ونظيره "من ترك الصلاة فقد كفر" أي استوجب عقوبة من كفر.
أما فيما يتعلق بكفارة من حلف بذلك ثم حنث، فقد قال ابن المنذر: اختلف فيمن قال: أكفر بالله (ونحو ذلك) إن فعلت، ثم فعل، فقال ابن عباس وأبو هريرة وعطاء وقتادة وجمهور فقهاء الأمصار: لا كفارة عليه، ولا يكون كافرا إلا إذا أضمر ذلك بقلبه، وقال الأوزاعي والثوري والحنفية وأحمد وإسحاق: هو يمين وعليه الكفارة، قال ابن المنذر: الأول أصح لما رواه البخاري "من حلف باللات والعزى فليقل: لا إله إلا الله"، ولم يذكر كفارة ولما جاء في الرواية الأخرى " فهو كما قال" فأراد التغليظ في ذلك حتى لا يجترئ أحد عليه، ولم يذكر كفارة ويكون من باب قول الله تعالى:{ويقتلون الأنبياء بغير حق}[آل عمران: ١١٢] وقوله {ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق}[الإسراء: ٣١] وقوله: {ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا}[النور: ٣٣] ونظائره كثيرة.
وقال الحافظ ابن حجر في توجيه رواية الأمر بقول "لا إله إلا الله": حاصله أنه أرشد من تلفظ بشيء مما لا ينبغي التلفظ به أن يبادر إلى ما يرفع الحرج عن القائل، أي لو قال ذلك قاصدا إلى معنى ما قال.