للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٢ - وأما قتل النفس فقد مضى الكلام عليه في الحديث السابق ويأتي له تمام قول في الأحاديث الثلاثة الآتية:

٣ - ومن نذر ما لا يملك، فإن كان معينا، كمن قال: لله علي أن أعتق عبد فلان فليس عليه الوفاء بنذره عند الجمهور، وإن كان غير معين، كمن قال: لله علي أن أعتق عبدا، ولا يملك، فإنه يصح عند الجمهور، ويلزمه إن ملك.

واختلف فيمن نذر ما لا يملك. هل تجب عليه الكفارة؟ قال الجمهور: لا، وعن أحمد والثوري وإسحاق وبعض الشافعية والحنفية: نعم. واستدلوا بعموم حديث عقبة بن عامر "كفارة النذر كفارة اليمين" أخرجه مسلم، وأخرج أبو داود "ومن نذر نذرا لا يطيقه فكفارته كفارة يمين" قال بعض الحنابلة: والقياس يقتضيه لأن النذر يمين، كما وقع في حديث عقبة، لما نذرت أخته أن تحج ماشية (لتكفر عن يمينها) فسمي النذر يمينا. ومن حيث النظر هو عقيدة لله تعالى بالتزام شيء، والحالف عقد يمينه بالله ملتزما بشيء.

٤ - وأما لعن المؤمن المعين، فإن كان لا يستحق اللعن فهو حرام بالإجماع، ومن الكبائر، وإن كان يستحق اللعن، فإن قصد معنى اللعن الأصلي، وهو الإبعاد عن رحمة الله فهو حرام أيضا، إذ ينبغي الدعاء للمؤمن العاصي بالتوبة والمغفرة، وإن لم يقصد، بل قصد به محض السب فهو مكروه.

ويمكن أن يستأنس لذلك بحديث "لا تكونوا عون الشيطان على أخيكم" قال ذلك صلى الله عليه وسلم حين لعن بعض الصحابة شاربا للخمر، وقد أخرج أبو داود بسند جيد، رفعه "إن العبد إذا لعن شيئا صعدت اللعنة إلى السماء فتغلق أبواب السماء دونها ثم تهبط إلى الأرض فتأخذ يمنة ويسرة، فإن لم تجد مساغا رجعت إلى الذي لعن، فإن كان أهلا، وإلا رجعت إلى قائلها" وأما غير المعين من أهل السوء فالراجح جواز لعنه، لأن لعنه حينئذ زجر عن تعاطي ذلك الفعل، بخلاف المعين فإن في لعنه إيذاء صريحا موجها، وقد ثبت النهي عن أذى المسلم.

قال النووي: وأما الدعاء على إنسان بعينه، ممن اتصف بشيء من المعاصي فالظاهر أنه لا يحرم، وأشار الغزالي إلى تحريمه، وقال في باب الدعاء على الظلمة بعد أن أورد أحاديث صحيحة في الجواز: قال الغزالي: وفي معنى اللعن الدعاء على الإنسان بالسوء، حتى على الظالم، مثل: لا أصح الله جسمه، وكل ذلك مذموم. اهـ.

وصنيع البخاري يقتضي لعن المتصف بالمعصية من غير أن يعين اسمه فيجمع بين المصلحتين، لأن لعن المعين والدعاء عليه قد يحمله على التمادي، أو يقنطه من قبول التوبة، بخلاف ما إذا صرف ذلك إلى المتصف، فإن فيه زجرا وردعا عن ارتكاب ذلك، وباعثا لفاعله على الإقلاع عنه.

والحديث يحذر من لعن المؤمن، أما لعن الكافر المعين فالراجح أنه ممنوع خصوصا لو تأذى به المسلم، وأما غير المعين فجائز، بل قال بعضهم. إن الكفار يتقرب إلى الله بسبهم.

والأولى الدعاء لهم بالهداية والإسلام بدل اللعن. والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>