المالكية: العاض قصد العضو نفسه، والذي استحق في إتلاف ذلك العضو، غير ما فعل به، فوجب أن يكون كل منهما ضامنًا ما جناه على الآخر، كمن قلع عين رجل، فقطع الآخر يده. وتعقب بأنه قياس في مقابلة النص، فهو فاسد. وقال بعضهم: لعل أسنانه كانت تتحرك، فسقطت عقب النزع، وسياق الحديث يدفع هذا الاحتمال. وتمسك بعضهم بأنها واقعة عين، ولا عموم لها وتعقب بأن البخاري أخرج في الإجارة، عقب حديث يعلى هذا، من طريق أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه وقع عنده مثل ما وقع عند النبي صلى الله عليه وسلم وقضى فيه بمثله.
وقد نبه ابن دقيق العيد على أن القيود التي وضعها الجمهور ليست في الحديث، وإنما أخذها الجمهور من القواعد الكلية، وكذا إلحاق عضو آخر غير الفم بالفم، فإن النص إنما ورد في صورة مخصوصة. قال ابن بطال: لم يقع هذا الحديث لمالك، وإلا لما خالفه، وقال الداودي: لم يروه مالك، لأنه من رواية أهل العراق، وقال أبو عبد الملك: كأنه لم يصح الحديث عنده، لأنه أتى من قبل المشرق.
ولم يقبل الحافظ ابن حجر هذا الاعتذار عن مالك، فقال: إن سلم هذا في حديث عمران فلا يسلم في طريق يعلى بن أمية، فقد رواها أهل الحجاز، وحملها عنهم أهل العراق.
واعتذر بعض المالكية بفساد الزمان.
وأما النقطة الثانية: فقد قال ابن بطال: أجمعوا على قلع السن بالسن في العمد، واختلفوا في سائر عظام الجسد، فقال مالك: فيها القود، إلا ما كان مجوفًا، ففيه الدية، واحتج بالآية، ووجه الدلالة منها أن شرع من قبلنا شرع لنا، إذا ورد على لسان الشارع بغير إنكار، وقد دل قوله (السن بالسن) على أجراء القصاص في العظم، لأن السن عظم، إلا ما أجمعوا على أن لا قصاص فيه، إما لخوف ذهاب النفس، وإما لعدم الاقتدار على المماثلة فيه.
وقال الشافعي والليث والحنفية: لا قصاص في العظم، غير السن، لأن دون العظم حائلاً، من جلد ولحم وعصب، يتعذر معه المماثلة، فلو أمكنت لحكمنا بالقصاص، ولكنه لا يصل إلى العظم، حتى ينال ما دونه، مما لا يعرف قدره.
وقال الطحاوي: اتفقوا على أنه لا قصاص في عظم الرأس، فيلتحق به سائر العظام. وتعقب بأنه قياس مع وجود النص، فإن في حديث الباب أنها كسرت الثنية، فأمرت بالقصاص، مع أن الكسر لا تطرد فيه المماثلة.
-[ويؤخذ من الحديث فوق ما تقدم]-
١ - استدل بعضهم بقوله في الرواية الرابعة "ادفع يدك حتى يعضها، ثم انتزعها" على إجراء القصاص في العضة، وقد يقال: إن العض هنا إنما أذن فيه للتوصل إلى القصاص في قلع السن. والجواب السديد، أن هذا الأمر أمر تهديد.
٢ - استدل بالقصة على التحذير من الغضب، وأن عاقبة الانسياق معه، والتصرف بدوافعه عاقبة وخيمة لأنه أدى إلى سقوط ثنية الغضبان، لأن يعلى غضب من أجيره، فعضه