ذهب بعض المحدثين إلى أن القصة التي في حديث سهل غير القصة التي في حديث أبي هريرة بناء على أن الرجل في قصة سهل قتل نفسه بتحامله على ذباب سيفه، وأن الرجل في قصة أبي هريرة - كما رواها البخاري مفصلة ولم تفصلها رواية مسلم -قتل نفسه بأن أهوى بيده إلى كنانته، فاستخرج منها أسهما فنحر بها نفسه. وأيضا ففي حديث سهل أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أخبروه بقصته قال "إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة" الحديث. وفي حديث أبي هريرة قال لهم لما أخبروه بقصته "قم يا بلال فأذن أنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة ... " الحديث. لكن المحققين من المحدثين يجنحون إلى أن القصة واحدة، ويجمعون بين الروايتين باحتمال أن يكون الرجل قد نحر نفسه بأسهمه، فلم تزهق روحه، وإن كان قد أشرف على القتل، فأجهز على نفسه بأن تحامل على سيفه. وباحتمال أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم حين أخبر بقصة الرجل قال: إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة إلخ، ثم أمر بلالا أن يؤذن في الناس. فذكر أحد الرواة جانبا من القصة، وذكر غيره جانبا آخر منها.
ومما لا شك فيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم علم مستقبل هذا الرجل بطريق الوحي، لأنه أمر غيبي، لا مجال للرأي فيه، وما يؤخذ من الحديث يفيد أن سبب كونه من أهل النار هو قتله نفسه، ولا يعارضه ما جاء في مغازي الواقدي، من أن قتادة ابن النعمان مر بالرجل، وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة، فقال له: هنيئا لك بالشهادة، فقال الرجل: والله ما قاتلت على دين، وإنما قاتلت على حسب قومي، ومعنى هذا أن الرجل كان منافقا، وأنه لم يقاتل لإعلاء كلمة الله، وأن هذا سبب كونه من أهل النار، إذ ليس بعد الكفر ذنب، لا يعارض، لأن ما أخذ من المغازي لا يحتج به إذا انفرد، ومن باب أولى لا يحتج به إذا عارض الصحيح، ولأنه صلى الله عليه وسلم (حين فهم الصحابة أن سبب كونه من أهل النار قتله نفسه) وافقهم على هذا الفهم، بل حين جاءه خبر الرجل قال:"الله أكبر أشهد أني عبد الله ورسوله" مما يؤكد أن السبب هو فعلته، وليس شيئا سابقا وإلا لبينه صلى الله عليه وسلم، ولا يقال: إن ما جاء في مغازي الواقدي يتوافق مع ظاهر قوله صلى الله عليه وسلم "لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة" فظاهره أن الرجل لم يكن مسلما، إذ معناه أن الرجل بعد أن قتل نفسه لم يكن مسلما بالمعنى اللغوي، أي لم يكن منقادا خاضعا لقضاء الله، بل عارض القضاء، واستعجل الموت، وتدفعنا هذه النقطة إلى التساؤل. هل هذا الرجل -على أنه غير منافق- من أهل النار المؤقتين أو المؤبدين؟ والجواب: أنه يحتمل -عند أهل السنة- أنه من أهل النار الذين يستوفون فيها عقوبة جريمتهم، ثم يحولون إلى الجنة لتوحيدهم، غاية الأمر أن الحديث يدل على أن هذا الرجل ليس ممن يشملهم عفو الله، وأنه لن يسامح عن هذه المعصية، وأنه سينفذ عليه وعيد الفساق، ولا يلزم منه أن كل من قتل نفسه يقضى عليه بالنار، لجواز عفو الله عنه.