الوقت وقت دراسة الحيثيات فليس هناك نقض للحكم وتعقب بأن التعبير بقوله "فقضى للكبرى" يأباه ويفيد صدور الحكم من داود ثانيها: أن ذلك كان فتوى من داود عليه السلام لا حكما ونقض الفتوى أو فتوى المجتهد يمكن أن تغاير فتوى مجتهد آخر وتعقب بأن التعبير بقوله "فتحاكمتا" .. وقوله "فقضى" يأبى ذلك. ثالثها: لعله كان في شرعهم فسخ الحكم إذا رفعه الخصم إلى حكم آخر يرى خلافه وبهذا يقول بعض العلماء فقد استنبط النسائي من هذا الحديث نقض الحاكم ما حكم به غيره ممن هو مثله أو أجل إذا اقتضى الأمر ذلك.
وعلى هذا محاكم الاستئناف والنقض في مصر وغيرها. رابعها: أن سليمان لم ينقض الحكم عمدا وإنما فعل ذلك حيلة إلى إظهار الحق وظهور الصدق فلما أقرت به الكبرى عمل بإقرارها وإن كان بعد الحكم كما لو اعترف المحكوم له بعد الحكم أن الحق لخصمه فليس هذا من قبيل نقض الحكم وإنما هو من قبيل تبدل الأحكام بتبدل الأسباب.
القضية الثالثة: كيف ساغ لسليمان أن يلغي إقرار المدعية" فقد أقرت الصغرى بأنه ابن الكبرى "لا يرحمك الله هو ابنها" فكيف يحكم لها بنقيضه؟ وأجيب بأنه لم يلتفت إلى إقرارها لأنه علم أنها آثرت حياته وأن إقرارها لم يكن عن حقيقة فظهر له من القرائن ما يدفعه إلى هذا الحكم وقد يكون سليمان عليه السلام ممن يسوغ له أن يحكم بعلمه وقد استنبط النسائي من الحديث أنه يجوز للحاكم الحكم بخلاف ما يعترف به المحكوم له إذا تبين للحاكم أن الحق غير ما اعترف به.
القضية الرابعة: كيف ساغ لسليمان عليه السلام أن يحكم هذا الحكم دون بينة أو يمين؟ مع احتمال أن جزع الصغرى كان من مزيد الشفقة عامة لا من موقع الأمومة؟ واحتمال أن رضا الكبرى بالشق كان من قساوة القلب عامة لا من موقع عدم الأمومة؟ وأجيب باحتمال أن يكون سليمان عليه السلام ممن أجيز له الحكم بما يستقر في علمه أو احتمال أن تكون الكبرى في تلك الحالة قد أقرت بالحق واعترفت به لما رأت من سليمان عليه السلام الجد والعزم في ذلك.
-[ويؤخذ من الحديث فوق ما تقدم]-
١ - أن الفطنة والفهم موهبة من الله تعالى لا تتعلق بكبر سن ولا صغره قال تعالى {ففهمناها سليمان}
٢ - وأن الحق في جهة واحدة.
٣ - وأن الأنبياء يسوغ لهم الحكم بالاجتهاد وإن كان وجود النص ممكنا لديهم بالوحي لكن ذلك يزيد في أجورهم.
٤ - استنبط منه النسائي في السنن الكبرى التوسعة للحاكم أن يقول للشيء الذي لا يفعله سأفعل كذا ليستبين له الحق.