ووكاءها ثم كلها فإن جاء صاحبها فأدها إليه" فهذه الروايات تدل على وجوب ردها لصاحبها إذا جاء قبل التصرف فيها أو بعده والأمر بردها بعد الأمر بأكلها ظاهر في وجوب رد البدل.
وقد يحتج لداود ومن قال بقوله بروايتنا الأولى ولفظها "وإلا فشأنك بها" وروايتنا السادسة ولفظها "وإلا فهي لك" وملحق روايتنا الثامنة ولفظه "وإلا فهي كسبيل مالك" وبقوله عن الغنم "هي لك أو لأخيك أو للذئب" فتمسك به مالك في أنه يملكها بالأخذ ولا يلزمه غرامة ولو جاء صاحبها لأنه سوى بين الذئب والملتقط والذئب لا غرامة عليه فكذلك الملتقط وأجيب بأن اللام ليست للتمليك لأن الذئب لا يملك وإنما يملكها الملتقط بعد التعريف على شرط ضمانها.
فيصبح الفرق بين سنة التعريف وما بعد سنة التعريف أن سنة التعريف لا يجوز له أن يتصرف في اللقطة مطلقا إلا إذا تعرضت للفساد وهو ضامن على كل حال أما بعد سنة التعريف فشأنه بها والتصرف فيها وهي كسبيل ماله وهي له تصرفا مع الضمان".
المسألة الخامسة: جاء أن عثمان بن عفان وعليا رضي الله عنهما أمرا بالتقاط ضالة الإبل وأنهما بذلك خالفا أمر الرسول صلى الله عليه وسلم والحق أنهما أمرا بذلك حين أصبحت الإبل الضالة غير آمنة إذ اتسعت رقعة البلاد الإسلامية وداخلهم غير المسلمين واللصوص وكثر الخطف والسرقة حتى للإبل غير الضالة فكان الأمر بالتقاطها أمرا بحفظها لصاحبها وهو مفهوم الأحاديث دون أية مخالفة لها فالحكمة والعلة في أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بتركها وعدم التقاطها أنها ممتنعة مأمونة محفوظة لصاحبها حتى يجدها فتغير الوضع في عهد عثمان وأصبحت غير آمنة فتغير الحكم وعمل بلفظ الحديث في حالة أمنها وعمل بمفهوم الحديث في حالة عدم أمنها فتحقق العمل بالحديث في الحالين لأن مؤداه. لا تلتقطها مادامت آمنة ومفهومه: التقطها مادامت غير آمنة.
-[ويؤخذ من الأحاديث فوق ما تقدم]-
١ - استدل بعضهم بالرواية الثانية على جواز الحكم والفتوى وقت الغضب دون كراهة وقيل: إن ذلك من خصوصياته صلى الله عليه وسلم فإن غضبه صلى الله عليه وسلم لا يخرجه عن الحق بخلاف غيره فيكره له الحكم في حال الغضب وإن كان نافذا كما سبق قريبا.
٢ - جواز قول كلمة "رب" في مثل رب المال ورب المتاع ورب الماشية بمعنى صاحبها الآدمي قال النووي: وهذا هو الصحيح الذي عليه جماهير العلماء ومنهم من كره إضافته إلى ما له روح دون المال والدار ونحوه وهذا غلط لقوله صلى الله عليه وسلم "فإن جاء ربها فأدها إليه" و"حتى يلقاها ربها" ونظائر ذلك كثيرة.
٣ - قال النووي: في قوله "من آوى ضالة فهو ضال ما لم يعرفها" دليل للمذهب المختار أنه يلزمه تعريف اللقطة مطلقا سواء أراد تملكها أو حفظها على صاحبها وهذا هو الصحيح.
٤ - يؤخذ من أحاديث الباب أن التقاط اللقطة وتملكها لا يفتقر إلى حكم حاكم ولا إلى إذن السلطان وهذا مجمع عليه.