والثالث على الجملة الأولى خلافا لليوم الأول لأنه بالمقابلة الأولى ازداد اطمئنانا على عدم القتل وأصبح الإنعام عنده أرجح الاحتمالات.
(حتى كان بعد الغد) هكذا هو في مسلم بعد اللقاء الأول وبعد اللقاء الثاني "حتى كان من الغد" وهو مشكل والأولى عكسهما كما في رواية البخاري.
(عندي ما قلت لك) رواية البخاري اقتصرت في اليوم الثاني على قوله "ما قلت لك إن تنعم تنعم على شاكر" واقتصرت في اليوم الثالث على "عندي ما قلت لك" ووجهها الحافظ ابن حجر بقوله: هكذا اقتصر في اليوم الثاني على أحد الشقين -كان حقه أن يقول: على شق من الثلاثة -وحذف الأمرين في اليوم الثالث- وكان حقه أن يقول: وحذف الأمور الثلاثة في اليوم الثالث- وذلك أنه قدم أول يوم أشق الأمرين عليه وأشفى الأمرين لصدر خصومه وهو القتل فلما لم يقع اقتصر على ذكر الاستعطاف وطلب الإنعام في اليوم الثاني: فكأنه في اليوم الأول رأى أمارات الغضب فقدم ذكر القتل فلما لم يقتله طمع في العفو فاقتصر عليه فلما لم يعمل شيئا مما قال اقتصر في اليوم الثالث على الإجمال تفويضا إلى جميل خلقه صلى الله عليه وسلم.
وهذا الذي ذكره الحافظ -على الرغم من أنه عد شقين وأهمل الثالث- إن صلح مع رواية البخاري لا يصلح مع رواية مسلم فالأولى أن نقول: إن بعض الرواة ذكر ما لم يذكر الآخر وهو في الأيام الثلاثة ردد بين الأمور الثلاثة وإن قدم الأول في اليوم الأول للعلة السابقة.
(أطلقوا ثمامة) في رواية "قال: قد عفوت عنك يا ثمامة وأعتقتك" وفي رواية ابن إسحق "أنه لما كان في الأسر جمعوا ما كان في أهل النبي صلى الله عليه وسلم من طعام ولبن فلم يقع ذلك من ثمامة موقعا فلما أسلم جاءوه بالطعام فلم يصب منه إلا قليلا فتعجبوا فقال النبي صلى الله عليه وسلم "إن الكافر يأكل في سبعة أمعاء وإن المؤمن يأكل في معي واحد".
(فانطلق إلى نخل قريب من المسجد) قال النووي: هكذا هو في البخاري ومسلم وغيرهما "نخل" بالخاء وتقديره انطلق إلى نخل فيه ماء فاغتسل منه قال القاضي: قال بعضهم: صوابه "نجل" بالجيم وهو الماء القليل المنبعث وقيل: الجاري قلت: بل الصواب الأول لأن الروايات صحت به ولم يرو إلا هكذا وهو صحيح ولا يجوز العدول عنه.
(فبشره رسول الله صلى الله عليه وسلم) يعني بشره بما حصل له من الخير العظيم بالإسلام وأن الإسلام يهدم ما كان قبله.
(فلما قدم مكة) زاد ابن هشام قال: بلغني أنه خرج معتمرا فلما كان ببطن مكة لبى فكان أول من دخل مكة يلبي فأخذته قريش فقالوا: لقد اجترأت علينا وأرادوا قتله فقال قائل منهم: دعوه فإنكم تحتاجون إلى الطعام من اليمامة فتركوه.