١٩ - قال السهيلي: وفيه أنه لا يستحيل أن يكون الشيء صوابا في حق إنسان وخطأ في حق غيره وإنما المحال أن يحكم في النازلة بحكمين متضادين في حق شخص واحد قال: والأصل في ذلك أن الحظر والإباحة صفات أحكام لا أعيان قال: فكل مجتهد وافق اجتهاده وجها من التأويل فهو مصيب. اهـ. فكل مختلفين في الفروع من المجتهدين مصيب.
قال الحافظ ابن حجر: والمشهور أن الجمهور ذهبوا إلى أن المصيب في القطعيات واحد وخالف الجاحظ والعنبري وأما ما لا قطع فيه قال الجمهور أيضا: المصيب واحد وقد ذكر ذلك الشافعي وقرره ونقل عن الأشعري أن كل مجتهد مصيب وأن حكم الله تابع لظن المجتهد وقال بعض الحنفية وبعض الشافعية: هو مصيب باجتهاده وإن لم يصب ما في نفس الأمر فهو مخطئ وله أجر واحد.
وحديث "إنما أنا بشر وإنه يأتيني الخصم فلعل بعضكم أن يكون أبلغ من بعض فأحسب أنه صادق فأقضي له بذلك فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من النار فليأخذها أو ليتركها" هذا الحديث يدل على أن المجتهد قد يخطئ وليس كل مجتهد مصيبا غاية الأمر أن المجتهد إذا أخطأ لا يلحقه إثم بل يؤجر.
قال الحافظ ابن حجر: ثم الاستدلال بهذه القصة على أن كل مجتهد مصيب على الإطلاق ليس بواضح وإنما فيه ترك تعنيف من بذل وسعه واجتهد فيستفاد منه عدم تأثيمه قال: وحاصل ما وقع في القصة أن بعض الصحابة حملوا النهي على حقيقته ولم يبالوا بخروج الوقت ترجيحا للنهي الثاني على النهي الأول وهو ترك تأخير الصلاة عن وقتها واستدلوا بجواز التأخير لمن اشتغل بأمر الحرب بنظير ما وقع في تلك الأيام بالخندق فقد صلوا العصر بعد ما غربت الشمس لشغلهم بأمر الحرب فجوزوا أن يكون ذلك عاما في كل شغل يتعلق بأمر الحرب ولا سيما والزمان زمان التشريع والبعض الآخر حملوا النهي على غير الحقيقة وأنه كناية عن الحث والاستعجال والإسراع إلى بني قريظة اهـ.
ونعود إلى قولهم: كل مجتهد مصيب. مصيب ماذا؟ هل مصيب عين الواقع المراد للمتكلم؟ أو مصيب في حكم الشرع مأمور بالعمل بما أدى إليه اجتهاده؟ ونزيد الأمر وضوحا على قصتنا. لو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قصد من نهيه "لا يصلين أحد الظهر إلا في بني قريظة" تأخير صلاة الظهر فعلا لمن لم يصلها إلى أن يصليها في ممتلكات بني قريظة كان الذين أخروها مصيبين الواقع المقصود والذين صلوا في الطريق مخطئين الواقع المقصود وإن كانوا معذورين لا يعنفون فمصيب الواقع هنا واحد ولا شك ولو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قصد من نهيه الحث على الإسراع ولم يرد أصلا تأخير صلاة من لم يصل كان المصلون في الطريق مصيبين الواقع المراد إذا أسرعوا المسير وكان المؤخرون للصلاة مخطئين الواقع المراد غاية الأمر أننا لم نعرف المصيب من المخطئ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلن عن قصده ومراده من النهي ولو أنه أبان عن مقصوده لتحدد الفريق المصيب من الفريق المخطئ أما لو كان قصده صلى الله عليه وسلم كلا من الأمرين