"كالمتطاول عليها" حال متداخلة من جملة الحال الأولى والمعنى فرأى القتال شديدا ورأى أصحابه في شدة.
(فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا حين حمى الوطيس) بفتح الواو وكسر الطاء قال الأكثرون: هو شبه التنور يوقد فيه حتى يحمى ويضرب مثلا لشدة الحرب التي يشبه حرها حره وقال آخرون: الوطيس هو التنور نفسه وقال الأصمعي: هي حجارة مدورة إذا حميت لم يقدر أحد أن يطأ عليها فيقال: الآن حمى الوطيس وقيل: هو الضرب في الحرب وقيل: هو الحرب الذي يطيس الناس أي يدقهم قالوا: هذه اللفظة من فصيح الكلام وبديعه الذي لم يسمع من أحد قبل النبي صلى الله عليه وسلم والإشارة في "هذا" للفعل والقول الآتيين أي أخذ الحصيات وقال: انهزموا ورب محمد حين حمى الوطيس.
(قال: ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حصيات فرمى بهن وجوه الكفار) في الرواية الخامسة "فلما غشوا رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل عن البغلة ثم قبض قبضة من تراب الأرض ثم استقبل به وجوههم" يقال: غشي فلان فلانا بكسر الشين وفتح الياء أي غطاه وحواه والمراد هنا: لما قرب المشركون من رسول الله صلى الله عليه وسلم وكادوا يحيطون به وبمن معه والقتال مستعر بين المشركين وبين أصحابه الذين كروا بعد فرارهم ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم الوطأة على أصحابه في هذا الوقت نزل عن بغلته ليأخذ التراب والحصى ويدعو ويرمي بها في وجوه القوم ثم يعود فيركب بغلته فعند أحمد وأبي داود والترمذي "ثم اقتحم عن فرسه فأخذ كفا من تراب" وللجمع بين رواية "الحصى" ورواية "التراب" قال العلماء: يحتمل أنه أخذ قبضة من حصى وقبضة من تراب فرمي بهذا مرة وبهذا مرة ويحتمل أنه أخذ قبضة واحدة مخلوطة من حصى وتراب ولأحمد والحاكم من حديث ابن مسعود "فقال: ناولني كفا من تراب فضرب به وجوههم" وعند البزار من حديث ابن عباس "أن عليا ناول النبي صلى الله عليه وسلم التراب فرمي به في وجوه المشركين يوم حنين" ويجمع بين هذه الأحاديث بأنه صلى الله عليه وسلم قال أولا لصاحبه: ناولني فناوله فرماهم ثم نزل عن البغلة. فأخذ بيده فرماهم أيضا ويحتمل أن الحصى كان في إحدى المرتين وكان التراب في الأخرى.
(ثم قال: انهزموا ورب محمد)"انهزموا" فعل ماض لفظا مضارع معنى بفتح الزاي إخبار عن أنهم سينهزمون إن شاء الله أخذا من وعد الله له وثقته بربه صلى الله عليه وسلم ولهذا أقسم برب محمد وبرب الكعبة مرتين في ملحق الرواية وفي الرواية الثانية "فنزل فاستنصر" أي دعا بالنصر.
"وقال: أنا النبي لا كذب
أنا ابن عبد المطلب
وفي الرواية الثالثة.
"فنزل ودعا واستنصر وهو يقول: أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب. اللهم نزل نصرك" وفي الرواية الخامسة "فقال: شاهت الوجوه" أي قبحت وجوه الكفار.
(قال: فذهبت أنظر فإذا القتال على هيئته فيما أرى) من الشدة والقسوة وكأن هذا النظر وقع ساعة الدعاء وساعة أخذ الحصى قبل أن يصل التراب وجوه القوم.