وقد روى البخاري عن المسور بن مخرمة قال:"وجاءت المؤمنات مهاجرات" أي بعد الصلح "وكانت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط ممن خرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ -وهي عاتق- أي شابة لم تدرك وقيل شابة أدركت ولم تتزوج بعد -فجاء أهلها يسألون النبي صلى الله عليه وسلم أن يرجعها إليهم فلم يرجعها إليهم لما أنزل الله فيهن {إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار}[الممتحنة: ١٠] فمن قال: إن البند لا يشمل النساء فالآية توضيح لنص الصلح وتحديد للمراد من النص العام "أحد" و"من" واعتماد لقيد "رجل" في بعض الروايات ومن قال إن النص يشمل النساء قال: إن الآية ناسخة لشق البند المذكور.
واختلف العلماء كذلك هل يجوز الصلح مع المشركين على أن يرد إليهم من جاء مسلما ممن عندهم إلى بلاد المسلمين أم لا؟ فقيل: نعم على ما دلت عليه قصة أبي جندل وأبي بصير وقيل: لا وأن الذي وقع في القصة منسوخ وأن ناسخه حديث "أنا بريء من مسلم بين مشركين" وهو قول الحنفية وعند الشافعية تفصيل بين العاقل والمجنون والصبي فلا يردان وقال بعض الشافعية: ضابط جواز الرد أن يكون المسلم بحيث لا تجب عليه الهجرة من دار الحرب.
وهناك بنود أخرى في الصلح لم تتناولها رواياتنا منها:
١ - ما جاء في رواية ابن إسحق من أن الصلح نص على أن توضع الحرب بينهما عشر سنين. وفي مغازي ابن عائذ أنه كان سنتين. قال الحافظ ابن حجر: ويجمع بينهما بأن الذي قاله ابن إسحق هي المدة التي وقع الصلح عليها والذي ذكره ابن عائذ وغيره هي المدة التي انتهى إليها أمر الصلح فيها حتى وقع نقضه على يد قريش ثم قال الحافظ ابن حجر: وأما الذي وقع في كامل ابن عدي ومستدرك الحاكم والأوسط للطبراني من حديث ابن عمر من أن مدة الصلح كانت أربع سنين فهو مع ضعف إسناده منكر مخالف للصحيح.
قال: وقد اختلف العلماء في المدة التي تجوز المهادنة فيها مع المشركين فقيل: لا تجاوز أربع سنين وقيل: ثلاثا وقيل سنتين والأول هو الراجح. والله أعلم.
٢ - وأن يأمن الناس بعضهم بعضا في نفوسهم وأموالهم سرا وجهرا وفي رواية ابن إسحق "وعلى أن بيننا عيبة مكفوفة" أي أمرا مطويا في صدور سليمة وهو إشارة إلى ترك المؤاخذة عما تقدم بينهم من أسباب الحرب وغيرها والمحافظة على العهد الذي وقع بينهم" وفي رواية ابن إسحق أيضا "وأنه لا إسلال ولا إغلال" أي لا سرقة ولا خيانة.
٣ - وأنه من أحب أن يدخل في عقد محمد صلى الله عليه وسلم وعهده دخل فيه ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه.
وكان هذا البند هو الذي نقضته قريش بمعاونتهم بني بكر الداخلين في عهدهم على خزاعة الذين دخلوا في عهد محمد صلى الله عليه وسلم وكان السبب المباشر لفتح مكة كما سبق في الباب الذي قبله.