للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

موقف الصحابة من هذا الصلح: نكاد نقول: إنه لم يكن أحد من الصحابة يرضى بهذا الصلح والرواية السادسة توضح الموقف وتبرز مشاعر سهل بن حنيف رضي الله عنه بقوله "ولو أني أستطيع أن أرد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لرددته".

وكان أبرزهم نفورا من الصلح عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقد روى البخاري أن عمر رضي الله عنه أتى نبي الله صلى الله عليه وسلم فقال له: ألست نبي الله حقا؟ قال: بلى قال: ألسنا على الحق؟ وعدونا على الباطل؟ قال: بلى قال: فلم نعطي الدنية في ديننا إذن؟ قال: إني رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري قال: أوليس كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به؟ قال: بلى فأخبرتك أنا نأتيه العام؟ قال عمر: لا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنك آتيه ومطوف به وذهب إلى أبي بكر فقال له مثل ما قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم وسمع منه مثل ما سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وعند البزار قال عمر: "لقد رأيتني أرد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برأي وما ألوت عن الحق قال: فرضي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبيت حتى قال لي: يا عمر: تراني رضيت وتأبى؟ " ولم يكن موقف عمر شكا في رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي حكمه وقراره بل طلبا لكشف ما خفي عليه وحثا على إذلال الكفار وظهور الإسلام كما عرف من خلقه رضي الله عنه وقوته في نصرة الدين وإذلال المبطلين وكان أكثرهم استسلاما للصلح -وليس رضى به- أبو بكر رضي الله عنه فمع قوة إيمانه وزيادة تصديقه وإذعانه لم ينفذ أمر الحلق والنحر.

وسبب هذا الموقف من الصحابة ما قاله ابن إسحق بلفظ "كان الصحابة لا يشكون في الفتح لرؤيا رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رأوا الصلح دخلهم من ذلك أمر عظيم حتى كادوا يهلكون" وعند الواقدي "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان رأى في منامه أن يعتمر وأنه دخل هو أصحابه البيت فلما رأوا تأخير ذلك شق عليهم" ويقول الحافظ ابن حجر: وقد وقع التصريح في الحديث الصحيح بأن المسلمين استنكروا الصلح المذكور وكانوا على رأي عمر في ذلك والظاهر أن الصديق لم يكن في ذلك موافقا لهم بل كان قلبه على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم. اهـ.

أما النبي صلى الله عليه وسلم فإنه كان يتحرك في هذا الأمر بوحي الله يبدو هذا جليا من قوله لعمر رضي الله عنه: "إني رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري" فقبوله هذه النصوص عن أمر الله تعالى وليس عن اجتهاد أو مقدمات تسوق إلى نتائج فالمقدمات كلها لا تتفق مع هذا الصلح حتى الرجوع لا يتفق مع قوتهم وعزتهم وقد جاءوا معتمرين فكيف يقبلون الصد عن البيت الحرام؟ ثم النصوص غير متكافئة وتكاد كلها تنطق بعقد الإذعان نعم عدم كتابة "رسول الله" و"الرحمن الرحيم" كان لمصلحة إتمام الصلح وليس في تركها مفسدة أما البسملة وباسمك اللهم فمعناهما واحد وكذا قوله "محمد بن عبد الله" هو أيضا رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس في ترك وصف الله سبحانه وتعالى في هذا الموضع بالرحمن الرحيم ما ينفي ذلك ولا في ترك وصفه أيضا صلى الله عليه وسلم هنا بالرسالة ما ينفيها فلا مفسدة فيما طلبوه وإنما كانت المفسدة تكون لو طلبوا أن يكتب مالا يحل من تعظيم آلهتهم ونحو ذلك وأما بقية الشروط ففيها من حيث الظاهر إجحاف بالمسلمين ومن الصعب على أصحاب العزة

<<  <  ج: ص:  >  >>