للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بن عازب رضي الله عنه قال: تعدون أنتم الفتح فتح مكة -وقد كان فتح مكة فتحا- ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية".

ولم يختلف أحد في أن المراد بالفتح في قوله تعالى: {إنا فتحنا لك فتحا مبينا} هو الحديبية فقد نزلت هذه الآيات على رسول الله صلى الله عليه وسلم منصرفه من الحديبية -كما هو صريح روايتنا السابعة فأرسل صلى الله عليه وسلم إلى عمر فقال له: لقد أنزلت على الليلة آيات هي خير من الدنيا وما فيها ثم أقرأه الآيات فقال: يا رسول الله أو فتح هو؟ قال: نعم فطابت نفسه رضي الله عنه.

ومن الحكمة في قبول هذا الصلح أن الصحابة لو دخلوا مكة على هذه الصورة وصدهم قريش عن ذلك لوقع بينهم قتال يفضي إلى سفك الدماء ونهب الأموال وكان بمكة آنذاك جمع كثير مؤمنون مستضعفون من الرجال والنساء والولدان فلو طرق الصحابة مكة لما أمن أن يصاب ناس منهم بغير عمد وإلى هذا يشير القرآن الكريم بقوله: {وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم} [الفتح: ٢٤].

وبقوله: {هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدي معكوفا أن يبلغ محله ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطئوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم ليدخل الله في رحمته من يشاء لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما} [الفتح: ٢٥].

-[ويؤخذ من أحاديثنا فوق ما تقدم]-

١ - قال القاضي عياض: احتج بعض الناس بقوله في الرواية الثالثة "أرني مكانها فأراه مكانها فمحاها وكتب: ابن عبد الله" على أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب ذلك بيده على ظاهر اللفظ وعلى ظاهر لفظ البخاري في رواية ففيها "أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتاب فكتب" وفي رواية "ولا يحسن أن يكتب فكتب" قال أصحاب هذا المذهب: إن الله تعالى أجرى ذلك على يده إما بأن كتب القلم بيده ذلك وهو غير عالم بما يكتب أو أن الله تعالى علمه ذلك حينئذ حتى كتب وجعل هذا زيادة في معجزاته.

وهذا لا يقدح في كونه أميا فقد علمه ما لم يكن يعلم من العلم وجعله يقرأ ما لم يكن يقرأ ويتلو ما لم يكن يتلو كذلك علمه أن يكتب ما لم يكن يكتب ويخط ما لم يكن يخط.

واحتجوا بآثار جاءت في هذا المعنى عن الشعبي وبعض السلف وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمت حتى كتب قال القاضي: وإلى جواز هذا ذهب الباجي وحكاه عن السمعاني وأبي ذر وغيره. وذهب الأكثرون إلى منع هذا كله قالوا: وهذا الذي زعمه الذاهبون إلى القول الأول يبطله وصف الله تعالى إياه بالنبي الأمي صلى الله عليه وسلم وقوله تعالى: {وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك} [العنكبوت: ٤٨] وقوله صلى الله عليه وسلم "إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب" قالوا: وقوله في هذا الحديث "كتب" معناه أمر بالكتابة كما يقال: رجم ماعزا وقطع السارق وجلد الشارب أي أمر بذلك واحتجوا بالرواية

<<  <  ج: ص:  >  >>