٢٠٦ - عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن ناسا من أهل الشرك قتلوا فأكثروا. وزنوا فأكثروا. ثم أتوا محمدا صلى الله عليه وسلم. فقالوا: إن الذي تقول وتدعو لحسن. ولو تخبرنا أن لما عملنا كفارة! فنزل:{والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما}[الفرقان: ٦٨] ونزل: {يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله}[الزمر: ٥٣].
-[المعنى العام]-
حكمة جليلة وحكم رحيم، حكمة بالغة وتشريع سمح كريم يتجسم في أن الإسلام يجب ما قبله، ويرفع المؤاخذة عن معاصي الجاهلية لمن أسلم، لقد تجمع أناس من مشركي مكة، وقالوا: يزعم محمد أن من عبد الأوثان، وقتل النفس التي حرم الله لم يغفر له، فكيف نسلم ونهاجر وقد عبدنا مع الله إلها آخر؟ وقتلنا النفس التي حرم الله؟ ثم جاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا محمد إن الذي تقوله وتدعو إليه لحسن، ولو أن عندك لما عملنا في جاهليتنا كفارة لأسلمنا، فنزل قوله تعالى:{قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له}[الزمر: ٥٤، ٥٣]. ونزل قوله تعالى:{والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما}[الفرقان: ٦٨ - ٧٠] فاطمأنوا وآمنوا، وآمن مثلهم خلق كثير.
نعم، حكمة بالغة، لو أن الإسلام أوجب مؤاخذتهم لما دخلوا في الدين، لو أنهم أيسوا من رحمة الله، وقنطوا من قبولهم ومسامحتهم لبقوا على كفرهم وانخرطوا في معاصيهم وطغيانهم، لو أن "وحشيا" قاتل حمزة لم يطمئن إلى العفو ما أسلم، ولما حسن إسلامه، ولما قتل مسيلمة، بل ربما كان عونا لمسيلمة على هدم الإسلام، تماما كالرجل الذي قتل تسعة وتسعين ثم سأل راهبا: هل لي من توبة؟ فلما قيل له: لا توبة لك قتل الراهب فأكمل به المائة، وما دفعه إلى ذلك إلا يأسه وعدم الرجاء في المصير، ألا أن باب السماء مفتوح لكل من عصى، وإن الله يمد يده بالنهار ليتوب مسيء الليل ويمد يده بالليل، ليتوب مسيء النهار، و {إنه لا ييئس من روح الله إلا القوم الكافرون}[يوسف: ٨٧].