قال النووي في سبب منعه هدايا العمل في هذا الحديث بيان أن هدايا العمال حرام وغلول، لأنه خان في ولايته وأمانته، ولهذا ذكر في الحديث في عقوبته، حمله ما أهدي إليه يوم القيامة، كما ذكر مثله في الغال، وقد بين صلى الله عليه وسلم في نفس الحديث السبب في تحريم الهدية عليه، وأنها بسبب الولاية. اهـ. وفي قوله: لأنه خان في ولايته وأمانته نظر، لأن ابن اللتبية لم يخن، وأدى الأمانة والصدقات التي قدمت صدقات، وكون العقاب مشابها لعقاب من خان وغل من بعض الوجوه لا يدل على أن الفعلين متماثلان.
ويقول بعض العلماء: إن الحقوق التي عمل لأجلها هي السبب في الإهداء له، وأنه لو أقام في منزله لم يهد له شيء، فلا ينبغي أن يستحلها بمجرد كونها وصلت إليه على طريق الهدية، فإن ذاك إنما يكون حيث يتمحض الحق له.
والتحقيق أن هدايا العمال تشبه الرشوة المحرمة، فالرشوة هي كل مال دفع ليبتاع به من ذي جاه عونا على ما لا يحل، ويخشى من هدايا العمال، ومن الهدايا إلى جامعي الصدقات أن تدفعهم هذه الهدايا إلى التغاضي والتساهل في حقوق الفقراء والمساكين، ومصارف الزكاة الأخرى، فهي قد تكون وسيلة إلى ما لا يحل، ووسيلة الحرام حرام، وهي وإن كانت وسيلة غير محققة الغاية، لكن سد باب الذرائع مطلوب، ولهذا لو تحققنا أن الهدية لن توصل إلى ما لا يحل، كأن تعطى بعد انتهاء مهمة العامل نهائيا، فلا شيء فيها.
قال ابن العربي: الذي يهدي لا يخلو أن يقصد: (١) ود المهدي إليه، (٢) أو عونه، (٣) أو ماله، فأفضلها الأول، والثالث جائز، لأنه يتوقع بذلك أن يرد إليه بالزيادة على وجه جميل، وقد تستحب إن كان محتاجا، والمهدي لا يتكلف، وإلا فيكره [مثل هذا في عصرنا ما يجري في الأفراح والأعياد والمناسبات] وأما الثاني فإن كان لمعصية فلا يحل، وهو الرشوة، وإن كان لطاعة فيستحب، وإن كان لجائز فجائز، لكن هذا إن لم يكن المهدى له حاكما. اهـ. أي فإن الإهداء للحاكم لا يخلو من شبهة الوصول إلى ما لا يحل غالبا.
ومن غير الغالب الهدايا التي كانت تهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد حكى ابن سعد من طريق فرات بن مسلم قال: اشتهى عمر بن العزيز التفاح، فلم يجد في بيته شيئا يشتري به، فركبنا معه، فتلقاه غلمان الدير بأطباق التفاح، فتناول واحدة، فشمها، ثم رد الأطباق، فقلت له في ذلك؟ فقال: لا حاجة لي فيه، فقلت: ألم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر يقبلون الهدية؟ فقال: إنها لأولئك هدية [أي لأنهم كانوا مأمونين أن تؤدي بهم الهدايا إلى ما لا يحل] وهي للعمال بعدهم رشوة.
أما كيف يبرأ العامل من إثم هدية وصلت إليه أثناء عمله، فيقول النووي: عليه أن يرد الهدية إلى مهديها، فإن تعذر فإلى بيت المال. اهـ. ومحل ذلك إذا لم يأذن له الإمام في ذلك، فقد أخرج الترمذي عن معاذ بن جبل قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، فقال: لا تصيبن شيئا بغير إذني، فإنه غلول".