(إن الله كتب الحسنات والسيئات) يحتمل أن يكون هذا من قول الله تعالى، فيكون التقدير: قال الله: إن الله كتب، ويحتمل أن يكون من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، يحكيه عن فعل الله تعالى، ومعنى "كتب" أمر الحفظة أن تكتب، أو المراد قدر ذلك في علمه.
(ثم بين ذلك، فمن هم) أي ثم بين الله ذلك أي فصله، وقوله: "فمن هم" شرح اسم الإشارة "ذلك" والمشار إليه كتابة الحسنات والسيئات، والمعنى: كتب الحسنات والسيئات ثم فصل هذه الكتابة بقوله: فمن هم إلخ.
(كتبها الله عنده حسنة كاملة) "عنده" أي عند الله، والقصد منها الإشارة إلى الشرف، ومزيد الاعتناء به، ووصف الحسنة بالكمال لرفع توهم نقصها، لكونها نشأت عن الهم المجرد، فكأنه قيل: بل هي كاملة لا نقص فيها، وفيها تعظيم الحسنة وتأكيد أمرها.
(كتبها الله سيئة واحدة) لم يصف السيئة بكاملة، كما وصف الحسنة، بل أكدها بقوله "واحدة" إشارة إلى تخفيفها، مبالغة في الفضل والإحسان.
(ومحاها الله) وفي رواية "أو يمحوها" فالواو في "ومحاها" بمعنى "أو" أي كتبها الله سيئة، فأبقاها أو محاها.
(ولا يهلك على الله إلا هالك) "على" بمعنى عند، أي من كثرت سيئاته مع هذا الفضل، وهذا الكرم فهو مستحق للهلاك، كأنه قال: ولا يهلك مع هذه السعة إلا مجرم متأصل الإجرام مسرف في المعاصي مستحق الهلاك.
-[فقه الحديث]-
ما يقع في النفس يتدرج في أربع مراتب:
الأولى: الخاطر والهاجس: وهو أن يخطر الشيء في النفس، ثم يذهب سريعا لا يثبت، بل يندفع ولا يستقر، وهو من الوسوسة، وهو في السيئات معفو عنه بلا خلاف.
الثانية: التردد: وهو فوق الخاطر، يخطر الشيء، فيهم به ثم ينفر عنه، ثم يهم به، ثم ينفر عنه، ولا يستمر على قصده، ولا على تركه، بالتساوي بين القصد والترك، وهو في السيئات معفو عنه أيضا بلا خلاف.
الثالثة: الهم: وهو ترجيح القصد، والميل إلى الشيء، وعدم النفور عنه والرغبة في الفعل، وإرادته التي لم تصل إلى العزم والتصميم، وهو في السيئات معفو عنه أيضا بنص وفقه هذه الأحاديث.
وهذه المراتب الثلاث إذا شغل أي منها بالخير والحسنات، رجونا أن تكتب حسنات بفضل الله وكرمه، وإن كانت حسنة الخاطر أقل من حسنة التردد، التي تكون أقل من حسنة الهم، وهكذا.