ثم يوصي رسول الله صلى الله عليه وسلم علماء الصحابة (إذا جاءهم العامة يسألون) أن يوصدوا باب هذا التفكير أمامهم، وأن يأمروهم ألا يسترسلوا فيما لا يفيدهم، فإن استرسال العوام في ذلك لا يزيدهم إلا حيرة وعليهم أن يلتجئوا إلى الله، وأن يعتصموا به، {ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم}[آل عمران: ١٠١].
-[المباحث العربية]-
(لا يزال الناس يتساءلون) أي يسأل بعضهم بعضا فيما لا يفيد، وفي رواية البخاري "لن يبرح الناس يتساءلون" وفي رواية "يسألون".
(حتى يقال) مبني للمجهول، وقد أبرز الفاعل في بعض الروايات على أنه الشيطان "أو على أنهم القائلون. ففي الرواية الثانية والثالثة والرابعة "يأتي الشيطان أحدكم فيقول" وفي الرواية الخامسة والسادسة "حتى يقولوا" أي في أنفسهم أو لغيرهم، كما يأتي.
(هذا خلق الله الخلق) قيل: إن اسم الإشارة نائب فاعل "يقال" أو مفعول "يقولون" والمعنى: حتى يقال هذا، أو حتى يقولون هذا القول وهو: خلق الله الخلق إلخ، وقيل: إن اسم الإشارة مبتدأ حذف خبره. أي هذا الأمر قد علم.
(فمن خلق الله) في جواب شرط مقدر، و"من" اسم استفهام مبتدأ، والجملة بعده خبر، والتقدير: إذا ثبت أن الله خلق كل شيء فمن خلق الله؟ .
(فمن وجد من ذلك شيئا) أي من هذه الوسوسة في نفسه، أو من سائل.
(فليقل: آمنت بالله) أي فليقل في نفسه، أو يتلفظ لنفسه أو لغيره بقوله: آمنت بالله، وأنه منزه عن هذا، وأنه أحد صمد. لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد. والمقصود من هذا القول قطع الوسوسة، والاشتغال بإثبات نقيضها.
(يأتي الشيطان أحدكم) الظاهر أن المراد به شيطان الجن، إبليس أو جنده، وإتيانه إنما يعرف بالوسوسة، لأننا لا نراه.
(فيقول: من خلق السماء؟ من خلق الأرض؟ فيقول: الله) فاعل "يقول" الأولى الشيطان، وفاعل الثانية "أحدكم" وسؤال الشيطان هذين السؤالين للاستدراج لما بعدهما، ولفظ الجلالة خبر مبتدأ محذوف أي خالق ذلك الله.
(وزاد: ورسله) أي فليقل: آمنت بالله ورسله.
(من خلق كذا وكذا) "كذا" أصلها كاف التشبيه "وذا" الإشارية، ثم استعملتا هنا كلمة واحدة مكنيا بها عن غير عدد، فهي في محل النصب، مفعول "خلق".