(فنادت امرأة من نساء النبي صلى الله عليه وسلم: إنه لحم ضب) في الرواية السابعة "فأهوى إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، فقال بعض النسوة اللائي في بيت ميمونة: أخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يريد أن يأكل، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده" وفي الرواية الثامنة "وكان قلما يقدم إليه طعام حتى يحدث به، ويسمى له، فأهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم يده إلى الضب، فقالت امرأة من النسوة الحضور: أخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قدمتن له. قلن: هو الضب يا رسول الله، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده" والحضور جمع حاضر، ووصف النسوة بالحضور، وهو مذكر، لما سبق من أن جمع التكسير نعته من حيث التذكير والتأنيث حكمه حكم الفعل، أي يجوز تذكيره وتأنيثه، قال تعالى {وقال نسوة في المدينة}[يوسف: ٣٠] قال النووي: كذا هو في جميع النسخ "الحضور" وقال الحافظ ابن حجر: كذا وقع بلفظ جمع المذكر، وكأنه باعتبار الأشخاص، وفي الرواية الحادية عشرة "إذ قرب إليهم خوان، عليه لحم، فلما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يأكل قالت له ميمونة: إنه لحم ضب، فكف يده" فكأن ميمونة أرادت أن غيرها يخبره صلى الله عليه وسلم، فلما لم يخبروه، ورأت يده تهوى إلى الضب، بادرت هي، فأخبرت.
وأما أنه صلى الله عليه وسلم كان يسأل عما يقدم إليه ما لا يعلم حقيقته، لأن العرب كانت لا تعاف شيئاً من المآكل، لقلتها عندهم، وكان صلى الله عليه وسلم قد يعاف بعض الشيء، فلذلك كان يسأل، وقيل: يحتمل أن يكون سبب السؤال أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يكثر الإقامة في البادية، فلم يكن له خبرة بكثير من الحيوانات، أو لأن الشرع ورد بتحريم بعض الحيوانات، وإباحة بعضها، وكانوا لا يحرمون منها شيئاً، وربما أتوا به مشوياً أو مطبوخاً، فلا يتميز عن غيره إلا بالسؤال عنه، وكان أزواجه -رضي الله عنهن- يعلمن عنه ذلك، فلما لم يسأل، وأهوى يده إلى الضب أخبرته ميمونة، وهذه القضية من باب القليل، الذي فاته أن يسأل عنه، فالرواية التاسعة، ولفظها "وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأكل شيئاً حتى يعلم ما هو؟ " معناها في الغالب الكثير، وهذا من القليل، أو هو لم يأكل صلى الله عليه وسلم، وإن هم بالأكل.
(وحدثه ابن الأصم عن ميمونة، وكان في حجرها) يعني في بيتها وحمايتها.
(سمناً وأقطاً وأضباً)"الأقط" بفتح الهمزة وكسر القاف، وقد تسكن، هو جبن اللبن المستخرج زبده، وقال ابن الأثير: الأقط لبن مجفف يابس مستحجر، يطبخ به، أي بعد أن يعركوه بالماء السخن في الأواني الخزف، حتى ينحل، ويصير كاللبن، ثم يطبخون به ما شاءوا من الأطعمة التي يطبخونها باللبن، والأضب بفتح الهمزة وضم الضاد جمع ضب.
(فقلت: أحرام هو يا رسول الله؟ ) وفي الرواية الثامنة "أحرام الضب يا رسول الله"؟
(قال: لا. ولكنه لم يكن بأرض قومي، فأجدني أعافه)"لا" أي ليس حراماً، قال الحافظ ابن حجر: قال ابن العربي: اعترض بعض الناس على هذه اللفظة "لم يكن بأرض قومي" بأن الضب كثير بأرض الحجاز. قال ابن العربي: فإن كان أراد تكذيب الخبر فقد كذب هو، فإنه ليس بأرض الحجاز منها شيء، أو ذكرت له بغير اسمها، أو حدثت بعد ذلك، وكذا أنكر ابن عبد البر ومن تبعه أن