للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

١٤ - ومن الأمر بإكفاء القدور تحريم التصرف في الأموال المشتركة من غير إذن، ولو قلت، ولو وقع الاحتياج إليها.

١٥ - وأنه لا يجوز الأكل من الغنائم قبل القسمة. قال النووي: إنهم كانوا قد انتهوا إلى دار الإسلام، وإلى المحل الذي لا يجوز فيه الأكل من مال الغنيمة المشتركة، فإن الأكل من الغنائم قبل القسمة إنما يباح في دار الحرب، وقال الإسماعيلي: إكفاء القدور يجوز أن يكون من أجل أنهم تعجلوا إلى الاختصاص بالشيء دون بقية من يستحقه، من قبل أن يقسم ويخرج منه الخمس، فمنعهم من تناول ما سبقوا إليه، زجراً لهم عن معاودة مثله. اهـ وأبعد المهلب، فقال: إنما عاقبهم لأنهم استعجلوا، وتركوه في آخر القوم، متعرضاً لمن يقصده من عدو ونحوه، وتعقب أنه صلى الله عليه وسلم كان مختاراً لذلك، ولا معنى للحمل على الظن، مع وجود النص بالسبب.

١٦ - وأن للإمام عقوبة الرعية، بما فيه إتلاف منفعة ونحوها، إذا غلبت المصلحة الشرعية، قال النووي: واعلم أن المأمور به من إراقة القدور إنما هو إتلاف لنفس المرق، عقوبة لهم، وأما نفس اللحم فلم يتلفوه، بل يحمل على أنه جمع، ورد إلى المغنم، ولا يظن أنه صلى الله عليه وسلم أمر بإتلافه، لأنه مال للغانمين، وقد نهي عن إضاعة المال، مع أن الجناية بطبخه لم تقع من جميع مستحقي الغنيمة، إذ من جملتهم أصحاب الخمس، ومن الغانمين من لم يطبخ، قال: فإن قيل: لم ينقل أنهم حملوا اللحم إلى المغنم؟ قلنا: ولم ينقل أيضاً أنهم أحرقوه وأتلفوه، وإذا لم يأت فيه نقل صريح وجب تأويله على وفق القواعد الشرعية، وهو ما ذكرناه، وهذا بخلاف إكفاء قدور الحمر الأهلية يوم خيبر. فإنه أتلف ما فيها من لحم ومرق، لأنها صارت نجسة، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم فيها "إنها رجس أو نجس" كما سبق في بابه، وأما هذه اللحوم فكانت طاهرة، منتفعاً بها، بلا شك، فلا يظن إتلافها. والله أعلم. اهـ

قال الحافظ ابن حجر: يحتمل أن الشياه بدأ طبخها صحاحاً، فلما أريق مرقها ضمت إلى المغنم، لتقسم، ثم يطبخها من وقعت في سهمه.

ورد على هذا بعضهم بما أخرجه أبو داود بإسناد جيد، عن رجل من الأنصار، قال: أصاب الناس مجاعة شديدة، فأصابوا غنماً، فانتهبوها، فإن قدورنا لتغلي بها إذ جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم على فرسه، فأكفأ قدورنا بقوسه، ثم جعل يرمل اللحم بالتراب، ثم قال: إن النهبة ليست بأحل من الميتة" ورد هذا الرد بأنه لا يلزم من تتريب اللحم إتلافه، لإمكان تداركه بالغسل، فإن قيل: إن السياق يشعر بأنه أريد المبالغة في الزجر عن ذلك الفعل، وبقاء اللحم صالحاً للانتفاع به، لا يجعل لإكفاء القدور كبير زجر؟ قلنا: إن الجناية ليست كبيرة، ولم يسبق التنبيه إلى مثلها، فتكفي العقوبة بالإكفاء، وتأخير الطعام، وهم في جماعة، وإتلاف اللحوم ليست عقوبة كبيرة للغانمين، لأن نصيب كل منهم منها سيكون يسيراً، فالعقوبة الحقيقية معاملتهم بنقيض قصدهم، وهو التعجل، وعقوبته التأخير.

١٧ - وبوب البخاري لهذا الحديث باب قسمة الغنم، أي بالعدد، لقوله "ثم عدل عشراً من الغنم بجزور".

<<  <  ج: ص:  >  >>