وقال القرطبي: يحتمل أن يكون سبب تسمية اللبن فطرة أنه أول شيء يدخل بطن المولود، ويشق أمعاءه، والسر في ميل النبي صلى الله عليه وسلم إليه، دون غيره، لكونه كان مألوفاً له، ولأنه لا ينشأ عن جنسه مفسدة. اهـ
وفي رواية للبخاري أن جبريل عليه السلام قال له:"أصبت الفطرة أنت وأمتك".
(لو أخذت الخمر غوت أمتك) أي ضلت، وانهمكت في الشر.
-[فقه الحديث]-
ترجم النووي لهذه الأحاديث بباب جواز شرب اللبن، وترجم البخاري بباب شرب اللبن، وقول الله عز وجل {يخرج من بين فرث ودم لبناً خالصاً سائغاً للشاربين}
قال الحافظ ابن حجر: وقع بلفظ "يخرج" في أوله، في معظم النسخ، والذي في القرآن {نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم}[النحل: ٦٦] وأما لفظ "يخرج" فهو في الآية الأخرى من السورة {يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه}[النحل: ٦٩] ووقع حذف "يخرج" من أول الآية وأول الباب في بعض النسخ، فكأن زيادة لفظ "يخرج" ممن دون البخاري.
ثم قال: وهذه الآية صريحة في إحلال شرب لبن الأنعام، بجميع أنواعه، لوقوع الامتنان به، فيعم جميع ألبان الأنعام، في حال حياتها.
وقد زعم بعضهم أن اللبن إذا طال العهد به وتغير صار يسكر، قال الحافظ: وهذا ربما يقع نادراً، إن ثبت وقوعه، ولا يلزم منه تأثيم شاربه، إلا إن علم أن عقله يذهب به، فشربه لذلك، نعم يقع السكر باللبن إذا جعل فيه ما يصير باختلاطه معه مسكراً، فيحرم. اهـ وقد بوب البخاري في الطهارة بباب هل يمضمض من اللبن؟ وساق "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شرب لبناً فمضمض، وقال: إن له دسماً" قال الحافظ ابن حجر: فيه بيان العلة للمضمضة من اللبن، فيدل على استحبابها من كل شيء دسم.
هذا، والمشكل في هذه الأحاديث شرب رسول الله صلى الله عليه وسلم من لبن غنم لم يأذن صاحبها في حلبها؟ قال المهلب: إنما شرب النبي صلى الله عليه وسلم من لبن تلك الغنم لأنه كان حينئذ في زمن المكارمة، أي جرياً على العادة المألوفة للعرب في إباحة ذلك، والإذن بالحلب للمار ولابن السبيل، فكان كل راع مأذوناً له في ذلك، وقال ابن العربي: كانت عادة أهل الحجاز والشام وغيرهم من المسامحة في ذلك، بخلاف بلدنا. اهـ
لكن روى البخاري "لا يحلبن أحد ماشية امرئ بغير إذنه، أيحب أحدكم أن تؤتى مشربته؟ فتكسر خزانته؟ فينتقل طعامه؟ فإنما تخزن لهم ضروع ماشيتهم أطعماتهم، فلا يحلبن أحد ماشية أحد إلا بإذنه" قال ابن عبد البر: في الحديث النهي عن أن يأخذ المسلم من المسلم شيئاً إلا بإذنه، وإنما خص اللبن بالذكر لتساهل الناس فيه، فنبه به على ما هو أولى منه، وبهذا أخذ الجمهور، إلا إن كان بإذن خاص، أو إذن عام، واستثنى كثير من السلف ما إذا علم طيب نفس صاحبه، وإن لم يقع