للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

منه إذن خاص ولا عام، وقد شرب صلى الله عليه وسلم لأنه علم أن صاحب اللبن لا يكره شربه صلى الله عليه وسلم منه. وذهب كثير منهم إلى الجواز مطلقاً في الأكل والشرب، سواء علم بطيب نفسه، أو لم يعلم، والحجة لهم ما أخرجه أبو داود والترمذي وصححه مرفوعاً "إذا أتى أحدكم على ماشية، فإن لم يكن صاحبها فيها فليصوت ثلاثاً، فإن أجاب فليستأذنه، فإن أذن له، وإلا فليحلب، وليشرب، ولا يحمل" وله شاهد عند ابن ماجه، بلفظ "إذا أتيت على راع، فناده ثلاثاً، فإن أجابك، وإلا فاشرب، من غير أن تفسد" وعند الترمذي عن ابن عمر مرفوعاً "إذا مر أحدكم بحائط فليأكل، ولا يتخذ خبيئة" لكن الترمذي استغربه، وقال البيهقي: لم يصح، وجاء من أوجه أخر غير قوية، قال الحافظ ابن حجر: والحق أن مجموعها لا يقصر عن درجة الصحيح، وقد احتجوا في كثير من الأحكام بما هو دونها. اهـ

وقد أشار الحافظ بذلك إلى ما أخرجه ابن ماجه والطحاوي وصححه ابن حبان والحاكم بلفظ "وإذا أتيت على حائط بستان فناد ثلاثاً، فإن أجابك، وإلا فاطعم من غير أن تفسد".

وللعلماء أمام أحاديث النهي وأحاديث الإذن مذاهب:

منهم من رجح أحاديث النهي، وأخذ بها، وترك أحاديث الإذن، بدعوى أن حديث النهي أصح، فهو أولى أن يعمل به، ولأن أحاديث الإذن تعارض القواعد القطعية في تحريم مال المسلم بغير إذنه.

ومن العلماء من جمع بين أحاديث النهي وأحاديث الإذن.

فقال بعضهم: تحمل أحاديث الإذن على ما إذا علم طيب نفس صاحبه، وأحاديث النهي على ما إذا لم يعلم.

وقال بعضهم: تخصص أحاديث الإذن بابن السبيل، أو بالمضطر، أو بحال المجاعة مطلقاً.

وقال بعضهم: تخصص أحاديث الإذن ببيئة يغلب عليها التسامح والمواساة، كما كان الحال في زمنه صلى الله عليه وسلم، دون ما كان بعد زمنه صلى الله عليه وسلم من التشاح، فكأنه صلى الله عليه وسلم أشار بأحاديث النهي إلى ما سيكون بعده.

وقال بعضهم: تحمل أحاديث النهي على ما إذا كان المالك أحوج من المار، لحديث أبي هريرة "بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر إذ رأينا إبلاً مصرورة، فثبنا إليها، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن هذه الإبل لأهل بيت من المسلمين، هو قوتهم، أيسركم لو رجعتم إلى مزاودكم، فوجدتم ما فيها قد ذهب؟ قلنا: لا. قال: فإن ذلك كذلك" أخرجه أحمد وابن ماجه، واللفظ لابن ماجه، وفي لفظ أحمد "فابتدرها القوم ليحلبوها" قالوا: فيحمل حديث الإذن على ما إذا لم يكن المالك محتاجاً، وحديث النهي على ما إذا كان محتاجاً.

وقال بعضهم: يحمل الإذن على ما إذا كانت غير مصرورة، ويحمل النهي على ما إذا كانت مصرورة، لهذا الحديث. لكن وقع عند أحمد في آخره "فإن كنتم لا بد فاعلين فاشربوا، ولا تحملوا" فدل على عموم الإذن في المصرور وغيره، لكن بقيد عدم الحمل، ولا بد منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>