الرواية الثانية والثالثة، فأبهم الرجل في الثانية، وصرح به في الثالثة، لكن ظاهر الرواية الأولى أن جابراً حمل القصة ورواها عن أبي حميد، ولا مانع من اجتماع الروايتين لجابر عن قصة واحدة، وهو ما نميل إليه، لكن الحافظ ابن حجر يميل إلى أنهما قصتان، إذ قال: والذي يظهر أن قصة اللبن كانت لأبي حميد، وأن جابراً حضرها، وأن قصة النبيذ حملها جابر عن أبي حميد.
(ليس مخمراً، فقال: ألا خمرته؟ ) أي ليس القدح أو اللبن أو النبيذ مغطى، والتخمير التغطية، ومنه الخمر، لأنه يغطي العقل، وخمار المرأة غطاء رأسها، "ألا" بفتح الهمزة والتشديد، بمعنى "هلا" وهي حرف تحضيض، إذا دخلت على المضارع أفادت الطلب بحث، وإذا دخلت على الماضي أفادت اللوم والتوبيخ، كما هو هنا، وأما "ألا" في قوله في الرواية الثانية فهي بتخفيف اللام، ومعناها العرض، وهو الطلب برفق ولين.
(ولو تعرض عليه عوداً) قال النووي: المشهور في ضبطه "تعرض" بفتح التاء وضم الراء، وهكذا قاله الأصمعي والجمهور، ورواه أبو عبيد بكسر الراء، والصحيح الأول، ومعناه تمده عليه عرضاً، أي خلاف الطول. اهـ والمعنى إن لم تتيسر التغطية بكمالها فلا أقل من وضع عود على عرض الإناء، وجواب "لو" محذوف، أي لكان كافياً.
(إنما أمر بالأسقية أن توكى ليلاً)"أمر" بضم الهمزة، مبني للمجهول، أي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، و"توكى" بضم التاء وفتح الكاف مبني للمجهول، يقال: وكى السقاء والصرة، يكيها وكياً، وأوكى السقاء والصرة إذا شدها بالوكاء، وهو الخيط الذي تشد به القربة أو الكيس أو الصرة ونحوها والمصدر في "أن توكى" بدل من "الأسقية" أي أمر بوكي الأسقية، والسقاء إناء الماء، والفرق بينه وبين القربة أن القربة للماء غالباً، والسقاء للماء واللبن غالباً، والمراد هنا ما يعم إناء الماء واللبن وكل سائل.
وفي الأصول التي تحت يدي "أن توكأ" بالهمزة، وتوجيهه بعيد، لأن معنى "وكأ" توكأ على الشيء، واعتمد عليه، ومنه المتكأ، وتوكأ على عصاه.
(غطوا الإناء) الإناء وعاء الطعام والشراب، فهو أعم من السقاء، وقد تخص الأسقية بظروف الماء واللبن، ذات الفم الضيق الذي يربط، والآنية بالطروف ذات الفم الواسع الذي يغطي.
وفي الرواية الخامسة "وخمروا آنيتكم" وفي ملحق الرواية الرابعة "وأكفئوا الإناء، أو خمروا الإناء" بالشك، يقال: كفأ الإناء وأكفأه قلبه.
(وأوكوا السقاء) في رواية للبخاري "وأوكئوا السقاء" بالهمزة، والصحيح ما في روايتنا، لما سبق في معنى "وكى" و"وكأ" والمقصود تغطية الإناء الذي به الطعام أو الشراب، وليس الإناء الفارغ، إذ الهدف حماية الطعام والشراب، لا حماية الإناء، وإن كانت حماية الإناء مطلوبة بوجه ما، وكذا يقال في وكي السقاء، وفي رواية للبخاري "وخمروا الطعام والشراب".