(فإن الشيطان لا يحل سقاء، ولا يفتح باباً، ولا يكشف إناء) المراد من الشيطان هنا الهوام والحشرات الخبيثة والمؤذيات، فإن الشيطان هو الروح الخبيثة، وكل متمرد مفسد.
(إذا كان جنح الليل) بضم الجيم وكسرها، لغتان مشهورتان، أي إذا أقبل ظلام الليل واختلاطه وأصل الجنوح الميل، وجنح الليل مال إلى ذهاب أو مجيء، وهو هنا ميل إلى المجيء، و"كان" تامة، وجنح الليل فاعل، وفي رواية البخاري "إذا استجنح الليل" وفي رواية "إذا استنجع الليل" وهي تصحيف، وفي رواية "إذا كان أول الليل".
(فكفوا صبيانكم، فإن الشيطان ينتشر حينئذ) أي امنعوهم من الخروج إلى طرقات الصحاري والجبال، وفي الرواية السادسة "لا ترسلوا فواشيكم وصبيانكم إذا غابت الشمس، حتى تذهب فحمة العشاء، فإن الشياطين تنبعث إذا غابت الشمس، حتى تذهب فحمة العشاء" والفواشي كل ما ينتشر من المال، كالإبل والغنم وسائر البهائم وغيرها، وهي جمع فاشية، لأنها تفشو، أي تنتشر في الأرض، و"فحمة العشاء" ظلمتها وسوادها، وفسرها بعضهم هنا بإقباله، وأول ظلامه، ويقال للظلمة التي بين صلاتي المغرب والعشاء: الفحمة، والتي بين العشاء والفجر: العسعسة.
قال النووي: المراد جنس الشيطان، ومعناه أنه يخاف على الصبيان ذلك الوقت من إيذاء الشياطين، لكثرتهم حينئذ، وقال الحافظ ابن حجر: قال ابن الجوزي: إنما خيف على الصبيان في تلك الساعة، لأن النجاسة التي تلوذ بها الشياطين موجودة معهم غالباً، والذكر الذي يحرز منهم مفقود من الصبيان غالباً، والشياطين عند انتشارهم يتعلقون بما يمكنهم التعلق به، والحكمة في انتشارهم حينئذ أن حركتهم في الليل أمكن منها في النهار لهم. اهـ
وتميل هذه الأقوال إلى حمل "الشياطين" على شياطين الجن، وأميل إلى أن المراد من الشياطين في الحديث كل متمرد مؤذ من شياطين الجن وشياطين الإنس كاللصوص والفسقة والفجرة وشياطين المخلوقات الأخرى كالأفاعي والوحوش والهوام، والفواشي من الإبل والغنم وسائر البهائم ونحوها لا تحمي نفسها، والصبيان أقل الإنس دفاعاً عن النفس، ووقاية من الأخطار. والله أعلم.
(فإن في السنة ليلة، ينزل فيها وباء) في ملحق الرواية "إن في السنة يوماً" ولا تعارض، فقد ينزل هذا الوباء في يوم وليلة، أي في ٢٤ ساعة وليس في ذكر أحدهما نفي للآخر، وقد ينزل في سنة يوماً، وفي سنة ليلة، والوباء بالمد، ويقصر، لغتان، حكاهما الجوهري، وغيره، والقصر أشهر، قال الجوهري: جمع المقصور أوباء، وجمع الممدود أوبية، قالوا: والوباء مرض عام يفضي إلى الموت غالباً.
ولعل هذا الوباء من نوع خاص، فإن الأوبئة بصفة عامة كثيرة، وتنزل في كل يوم وليلة في مناطق مختلفة.
(فالأعاجم -عندنا- يتقون ذلك في كانون الأول) يقال: اتقى الشيء إذا خافه، وجعل