(قال قتادة: فقلنا: فالأكل؟ فقال: ذاك أشر أو أخبث)"فالأكل" الفاء فصيحة، وما بعدها جواب شرط محذوف، والأكل خبر لمبتدأ محذوف، أي إذا كان الشرب قائماً منهياً عنه فما حكم الأكل قائماً؟ .
قال النووي: هكذا وقع في الأصول "أشر" بالألف، والمعروف في العربية "شر" بغير ألف، وكذلك خير، قال تعالى:{أصحاب الجنة يومئذ خير مستقراً}[الفرقان: ٢٤] وقال تعالى: {فسيعلمون من هو شر مكاناً}[مريم: ٧٥] ولكن هذه اللفظة "أشر أو أخبث" وقعت هنا على الشك، فشك قتادة في أن أنساً قال:"أشر" أو قال "أخبث" فلا يثبت عن أنس بهذه الرواية "أشر" فإن جاءت هذه اللفظة من غير شك، وثبتت عن أنس، فهي لغة وإن كانت قليلة الاستعمال، لأنه عربي فصيح، ولهذا نظائر مما لا يكون معروفاً عن النحويين، ومما لا يكون جارياً على قواعدهم، وقد صحت به الأحاديث، فلا ينبغي رده إذا ثبت، بل يقال: هذه لغة قليلة الاستعمال، ونحو هذا من العبارات، وسببه أن النحويين لم يحيطوا إحاطة كاملة قطعية بجميع كلام العرب، ولهذا يمنع بعضهم ما ينقله غيره عن العرب، كما هو معروف. اهـ
(سقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم من زمزم، فشرب وهو قائم) في الرواية السابعة عشرة "شرب من زمزم من دلو منها وهو قائم" وفي الرواية التاسعة عشرة "سقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم من زمزم، فشرب قائماً، واستسقى وهو عند البيت أي طلب أن يشرب، وهو عند الكعبة، وفي ملحقها "فأتيته بدلو".
وعند البخاري وابن ماجه عن عاصم عن الشعبي أن ابن عباس -رضي الله عنهما- حدثه، قال: سقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم من زمزم، فشرب وهو قائم. قال عاصم: فذكرت ذلك لعكرمة، فحلف بالله ما فعل -أي ما شرب قائماً- ما كان يومئذ إلا على بعير" قال ابن العربي: لا حجة في هذا على الشرب قائماً، لأن الراكب على البعير قاعد، غير قائم، وقيل: إن عكرمة قال: إن مراد ابن عباس بقوله: إنه شرب قائماً، إنما أراد به وهو راكب، والراكب يشبه القائم من حيث كونه سائراً، ويشبه القاعد، من حيث كونه مستقراً على الدابة، قال الحافظ ابن حجر: لكن عند أبي داود عن ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم أناخ، فصلى ركعتين، فلعل شربه من زمزم كان بعد ذلك، ولعل عكرمة إنما أنكر شربه قائماً لنهيه عنه. اهـ
(نهى أن يتنفس في الإناء) في الرواية الواحدة والعشرين "كان يتنفس في الإناء ثلاثاً" وفي الرواية الثانية والعشرين "كان يتنفس في الشرب ثلاثاً" والرواية المتممة للعشرين صريحة في النهي عن التنفس في الإناء، والرواية الواحدة والعشرون صريحة في التنفس في الإناء، فبين ظاهرها التعارض، فحملهما العلماء على حالتين: حالة التنفس بالفعل على من تنفس خارج الإناء، وحالة النهي عن التنفس داخل الإناء، قال الإسماعيلي: المعنى أنه كان يتنفس: أي على الشراب، لا فيه داخل الإناء. قال: وإن لم يحمل على هذا صار الحديثان مختلفين، وكان أحدهما منسوخاً لا محالة، والأصل عدم النسخ، والجمع مهما أمكن أولى، ثم أشار إلى حديث أبي سعيد عن الترمذي وصححه الحاكم "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النفخ في الشراب، فقال رجل: القذاة أراها في الإناء؟ قال: أهرقها.