قال: فإني لا أروى من نفس واحد؟ قال: فأبن القدح إذن عن فيك" وعند ابن ماجه "إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في الإناء، فإذا أراد أن يعود فلينح الإناء، ثم ليعد، إن كان يريد" وسيأتي مزيد للمسألة في فقه الحديث.
(إنه أروى، وأبرأ، وأمرأ) "إنه" أي إن التنفس في الشرب ثلاثاً أكثر رياً، يقال: روى من الماء ونحوه، بفتح الراء وكسر الواو وفتح الياء، يروى بفتح الواو، رياً بفتح الراء وكسرها، وروي بفتح الواو مقصوراً، إذا شرب وشبع، فهو ريان، وهي رياً، وريانة، والمعنى أن قليل الماء مع تجزئته في الشرب على نفسين أو ثلاثة يشعر الشارب بالشبع، وهو أيضاً "أبرأ" يقال: برئ المريض، بكسر الراء، يبرأ بفتحها، برءاً، بفتح فسكون، وبرءاً، بضم فسكون، شفي، وتخلص مما به، فالمعنى أن التنفس عند الشرب أكثر تخلصاً من ألم العطش، وقيل: أكثر وقاية من الأمراض، أو أكثر وقاية من الأذى الذي يحصل بسبب الشرب في نفس واحد، وهو أيضاً "أمرأ" أي أكثر انسياباً وانسياغاً في المريء، الذي هو مجرى الطعام والشراب من الحلقوم إلى المعدة، أي فهو أهنأ، حميد العاقبة، قال تعالى:{فكلوه هنيئاً مريئاً}[النساء: ٤].
(أتي بلبن قد شيب بماء) يقال: شاب الشيء بالشيء، يشوبه، شوباً بفتح الشين، إذا خلطه به، وفي القرآن الكريم {ثم إن لهم عليها لشوباً من حميم}[الصافات: ٦٧] وفي الرواية الرابعة والعشرين يقول أنس "فدخل علينا دارناً، فحلبنا له من شاة داجن -أي أليفة، أغلب تربيتها وعلفها في البيت، قليلة الخروج للرعي، وهذا الوصف يشير إلى حسن مرعاها، وطيب لبنها -وشيب له من بئر في الدار" أي وخلط لبنها بماء من بئر في دارنا، وتبين الرواية الخامسة والعشرون شخص الذي شاب اللبن، وأنه أنس، ففيها "أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم في دارنا، فاستسقى -أي عطش، فطلب الشرب- فحلبنا له شاة، ثم شبته -بضم الشين، والضمير يرجع إلى اللبن، المفهوم من الحلب- من ماء بئري هذه" وتبين رواية البخاري أن أنساً هو الذي باشر حلب الشاة، ولفظها "فحلبت شاة".
(وعن يمينه أعرابي، وعن يساره أبو بكر) في الرواية الخامسة والعشرين "وأبو بكر عن يساره، وعمر وجاهه، وأعرابي عن يمينه" يقال: وجاهه، بكسر الواو وضمها لغتان ويقال تجاهه، أي تلقاء وجهه.
(فشرب، ثم أعطى الأعرابي) في الرواية الرابعة والعشرين "فشرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له عمر: يا رسول الله، أبا بكر -أي أعط أبا بكر- فأعطاه أعرابياً عن يمينه" وفي الرواية الخامسة والعشرين" فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من شربه، قال عمر: هذا أبو بكر يا رسول الله -يريد إياه- أي يريد أن يعطي القدح إياه- فأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم الأعرابي، وترك أبا بكر وعمر" وفي رواية للبخاري فقال عمر -وخاف أن يعطيه الأعرابي- أعط أبا بكر" فإشارة عمر بناها على مشاهدته ميل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقدح نحو الأعرابي، وقصد بها التذكير، لا التعديل خوفاً من النسيان، وإعلاماً للأعرابي وغيره بجلالة أبي بكر، وفي رواية البخاري "فأعطى الأعرابي فضله" أي اللبن الذي فضل منه بعد شربه، وحكى