رسوخ قدمه في الإسلام وسبقه يقتضي طمأنينته بجميع ما يقع من النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يتأثر لشيء من ذلك، ولهذا لم يستأذن الأعرابي له، ولعله خشي من استئذانه أن يتوهم إرادة صرفه إلى بقية الحاضرين بعد أبي بكر، دونه، فربما سبق إلى قلبه، من أجل قرب عهده بالإسلام شيء، فجرى صلى الله عليه وسلم على عادته في تأليف من هذا سبيله، وليس ببعيد أنه كان من كبراء قومه، ولهذا جلس عن يمين النبي صلى الله عليه وسلم، وأقره على ذلك. اهـ
(فتله رسول الله صلى الله عليه وسلم في يده)"تله" بفتح التاء وتشديد اللام المفتوحة، أي وضعه، وفي ملحق الرواية "فأعطاه إياه" وقال الخطابي: تله وضعه بعنف؛ وأصله من الرمي على التل، وهو المكان العالي المرتفع، ثم استعمل في كل شيء يرمى به وفي كل إلقاء، وقيل: هو من التلتل، بلام ساكنة بين التاءين المفتوحتين، وهو العنق، ومنه قوله تعالى:{وتله للجبين}[الصافات: ١٠٣] أي صرعه، والتفسير الأول أليق بمعنى الحديث.
-[فقه الحديث]-
ثمانية من آداب الطعام والشراب تتعرض لها هذه الأحاديث:
تقديم الكبير، والتسمية، والأكل والشرب باليمين، والأكل مما يلي الآكل، وعدم اختناث الأسقية، وعدم الشرب قائماً، وعدم التنفس في الإناء، وإدارة الشراب على يمين المبتدئ. وإليك تفصيل الأحكام:
١ - أما تقديم الكبير في الطعام والشراب ليبدأ قبل أن يبدأ الآخرون، فيقول عنه حذيفة رضي الله عنه في الرواية الأولى "كنا إذا حضرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم طعاماً لم نضع أيدينا حتى يبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيضع يده" ثم يحكي قصة الجارية التي حاولت أن تضع يدها في الطعام متسرعة قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدها، ومنعها، وقصة الأعرابي الذي حاول أن يضع يده في الطعام قبل كبار الحاضرين، فأمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، ومنعه، وسيأتي تفصيل القول إذا تعارض تقديم الكبير مع التقديم لأسباب أخرى، كالأيمن، سيأتي هذا التفصيل في أدب إدارة الشراب على يمين المبتدئ.
٢ - الأدب الثاني التسمية عند بدء الطعام والشراب، وعند الدخول، وعند البدء في أي أمر مهم، وفي ذلك تقول الرواية الأولى "إن الشيطان يستحل الطعام، أن لا يذكر اسم الله عليه" وتقول الرواية الثانية "إذا دخل الرجل بيته، فذكر الله عند دخوله، وعند طعامه، قال الشيطان: لا مبيت لكم ولا عشاء، وإذا دخل فلم يذكر الله عند دخوله، قال الشيطان: أدركتم المبيت، وإذا لم يذكر الله عند طعامه قال: أدركتم المبيت والعشاء" وأخرج أبو داود والترمذي "إذا أكل أحدكم طعاماً فليقل: بسم الله، فإن نسي في أوله فليقل: بسم الله في أوله وآخره".
قال النووي: في هذا الحديث استحباب التسمية في ابتداء الطعام، وهذا مجمع عليه، قال الحافظ ابن حجر: وفي نقل الإجماع على الاستحباب نظر، إلا إن أريد بالاستحباب رجحان الفعل،