(ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة) بعض القبض، وذكر النوم كناية عن ذهابها في الغفلة وضعف العقيدة والإيمان، وليس المراد أنها تقبض في الليل دون النهار، وفي القاموس: قبض مبني للمجهول: مات، فشبه ذهاب الأمانة بالموت.
(فيظل أثرها مثل الوكت) بفتح الواو وسكون الكاف، الأثر اليسير، وقيل: السواد اليسير، وقيل: أثر النار من السواد في اللون. وأصل "يظل" معناه يعمل بالنهار، ثم أطلق على كل وقت، وهي هنا على بابها، لأنه ذكر الحالة التي تكون بعد النومة، والمعنى: أن الأمانة تذهب حتى لا يبقى منها إلا الأثر الخفيف الذي يشبه الوكت في ظاهر البدن.
(فيظل أثرها مثل المجل) بفتح الميم وسكون الجيم وفتحها. لغتان، والمشهور الإسكان، يقال: مجلت يده بكسر الجيم تمجل بفتحها مجلا بفتحها أيضا ومجلت يده بفتح الجيم تمجل بضمها مجلا بسكونها لغتان مشهورتان، والمجل: ارتفاع في الجلد يظهر في اليد من العمل بفأس أو نحوها، وفي الرجل بسبب الحذاء ونحوه، ويصير مثل القبة، ويمتلئ بالماء.
(كجمر دحرجته على رجلك) أي كأثر جمر، أو كمكان جمر، ففي الكلام مضاف محذوف.
(فنفط فتراه منتبرا) نفط بفتح النون وكسر الفاء: انتفخ، وانتبر الجرح وانتفط إذا ورم وامتلأ ماء، قال النووي: ولم يقل نفطت مع أن الرجل مؤنثة، إما أن يكون ذكر "نفط" إتباعا للفظ الرجل، وإما أن يكون إتباعا لمعنى الرجل، وهو العضو. اهـ. ولكننا قلنا سابقا: إن في الكلام مضافا محذوفا، تقديره: كمكان جمر دحرجته على رجلك فنفط، ففاعل نفط يعود على مكان دحرجة الجمر وليس على الرجل.
قال صاحب التحرير: معنى الحديث أن الأمانة تزول عن القلوب شيئا فشيئا، فإذا زال أول جزء منها زال نورها، وخلفته ظلمة كالوكت، وهو اعتراض لون مخالف للون الذي قبله، فإذا زال شيء آخر صار كالمجل وهو أثر محكم لا يكاد يزول إلا بعد مدة، وهذه الظلمة فوق التي قبلها، ثم شبه زوال ذلك النور بعد وقوعه في القلب وخروجه بعد استقراره فيه واعتقاب الظلمة إياه بجمر يدحرجه على رجله، حتى يؤثر فيها، ثم يزول الجمر، ويبقى التنفط، وأخذه الحصى ودحرجته إياه أراد به زيادة البيان وإيضاح المذكور.
(فيصبح الناس يتبايعون) أي يبيعون ويشترون.
(لا يكاد أحد يؤدي الأمانة) تصوير لقلة الأمانة وندرتها، وقرب رفعها نهائيًا.
(حتى يقال: إن في بني فلان أمينا) في رواية البخاري (فيقال) وهذا تصوير ثان وكناية عن ندرة الأمين.
(حتى يقال للرجل ما أجلده، ما أظرفه، ما أعقله)(ما أجلده) أي ما أقواه وأصلبه،