مع ملاحظة أن الذي يمنع من الجلوس عليه هو ما منع من لبسه، وهو ما صنع من حرير صرف، أو كان الحرير فيه أزيد من غيره، كما سبق تقريره.
-[ويؤخذ من الأحاديث فوق ما تقدم]-
١ - من الرواية الأولى والثانية الوعيد الشديد لمن شرب أو أكل في أواني الذهب أو الفضة. قال القاضي عياض: واختلفوا في المراد، فقيل: هو إخبار عن الكفار من ملوك العجم وغيرهم، الذين عادتهم فعل ذلك، كما قال في الحديث [روايتنا الرابعة]"فإنه لهم في الدنيا، وهو لكم في الآخرة يوم القيامة" أي هم المستعملون لها في الدنيا، وقيل: المراد نهي المسلمين عن ذلك، وأن من ارتكب هذا النهي استوجب هذا الوعيد، وقد يعفو الله عنه. هذا كلام القاضي، ووجهة نظره أن الوعيد شديد، وغير محدد المدة، وهو لا يتناسب مع رأي أهل السنة والجماعة في مرتكب الكبيرة، فهو أولى بالكافرين، وقال النووي تعقيباً على كلام القاضي: والصواب أن النهي يتناول جميع من يستعمل إناء الذهب أو الفضة من المسلمين والكفار، لأن الصحيح أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة. اهـ
وكلام النووي أن النهي [في روايتنا الثالثة والرابعة والخامسة] يتناول المسلمين والكافرين مسلم، لكن الوعيد الشديد الوارد في الروايتين الأولى والثانية "يجرجر في بطنه نار جهنم" لا يستقيم مع المذهب الصحيح.
٢ - وكذا الوعيد الوارد في الرواية الثالثة "من شرب فيها في الدنيا لم يشرب فيها في الآخرة" وفي الرواية الثانية عشرة والثانية والعشرين والثالثة والعشرين "فإنه من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة" فقد قال الحافظ ابن حجر: زاد النسائي "ومن لم يلبسه في الآخرة لم يدخل الجنة، قال تعالى {ولباسهم فيها حرير}[الحج: ٢٣] قال: وهذه الزيادة مدرجة في الحديث، وهي موقوفة على ابن الزبير، قالها ابن الزبير من رأيه، وقد جاء مثل ذلك عن ابن عمر، وأخرج أحمد والنسائي وصححه الحاكم مثل حديث ابن الزبير عن أبي سعيد وزاد فيه "وإن دخل الجنة لبسه أهل الجنة، ولم يلبسه هو" وهذا يحتمل أن يكون أيضاً مدرجاً.
ثم قال الحافظ: وأعدل الأقوال أن الفعل المذكور مقتض للعقوبة المذكورة، وقد يتخلف ذلك لمانع: كالتوبة، والحسنات التي توازن، والمصائب التي تكفر، وكدعاء الولد بشرائط، وكذا شفاعة من يؤذن له في الشفاعة، وأعم من ذلك كله عفو أرحم الراحمين.
٣ - من الرواية الثالثة استحباب عيادة المريض، قال النووي: وهي سنة بالإجماع، وسواء فيه من يعرفه ومن لا يعرفه، والقريب والأجنبي، واختلف العلماء في الأوكد منهما والأفضل منهما.
٤ - واستحباب اتباع الجنازة، وهي سنة بالإجماع أيضاً، وقد سبق إيضاحه.