تعالى وجزاه على إساءته، إعراضاً عنه، وصرفاً لرحمته ورضوانه عنه، والإعراض في الأصل انصراف النفس عن الشيء، وعدم التوجه إليه، ففي الكلام مشاكلة ومقابلة، كقوله تعالى {ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين}[الأنفال: ٣٠] وفي الحديث "ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم" وهذا هو المراد من الإعراض، الإهمال وعدم الإحسان. وقوله "فأعرض الله عنه" يحتمل أن يكون خبراً، ويحتمل أن يكون دعاء، وسيأتي مزيد لهذا في فقه الحديث.
(لا يقيمن أحدكم الرجل من مجلسه، ثم يجلس فيه)"لا يقيمن" بالنهي المؤكد وفي الرواية الثالثة "لا يقيم الرجل الرجل من مقعده، ثم يجلس فيه" بلفظ الخبر "لا يقيم" مضارع مرفوع، وهو خبر بمعنى النهي، وفي بعض الروايات "لا يقم" بالنهي من غير توكيد. وفي الرواية الرابعة "لا يقيمن أحدكم أخاه، ثم يجلس في مجلسه" وذكر الأخ لا مفهوم له، بل ذكر لمزيد التنفير عن ذلك لقبحه، لأنه إن فعله من جهة الكبر كان قبيحاً، وإن فعله من جهة الأثرة كان أقبح، وفي الرواية الخامسة "لا يقيمن أحدكم أخاه يوم الجمعة -أي في اجتماع الصلاة- ثم ليخالف إلى مقعده، فيقعد فيه" يقال: خالف إلى الشيء، وخالف في الشيء، إذا أتاه من خلفه، أو قصده بعد ما أبعده عنه، قال تعالى {وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه}[هود: ٨٨] وعند البخاري عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يقام الرجل من مجلسه، ويجلس فيه آخر" و"يجلس" هنا ضبطت بضم الياء وفتح اللام، وبفتح الياء وكسر اللام، وفي الملحق الثاني للرواية الثالثة "قلت: في يوم الجمعة؟ قال: في يوم الجمعة وغيرها" السائل ابن جريج الراوي عن نافع عن ابن عمر، والمجيب نافع، رحمهم الله تعالى. وسبب سؤال ابن جريج علمه بالرواية الخامسة التي ذكر فيها "يوم الجمعة" وجعل نافع النهي عاماً، وسيأتي التفصيل في فقه الحديث.
(ولكن تفسحوا وتوسعوا) وفي الرواية الخامسة "ولكن يقول: افسحوا" والتفسح التوسع، فعطف "توسعوا" على "تفسحوا" عطف تفسيري.
-[فقه الحديث]-
-[يؤخذ من الأحاديث]-
١ - عن الرواية الأولى قيل: إنها لم تتعرض إلى تسليم اللذين جلسا في مجلس العلم، هل سلما؟ فرد عليهما السلام؟ أو لم يسلما؟ وهل صليا تحية المسجد؟ أو لم يصليا؟ وقد تناول العلماء هاتين النقطتين بالتوجيه، فقيل: لعلهما سلما، ورد الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة السلام، أو أنهما سلما، ولم يرد عليهما أحد، لأن المشتغل بالعلم، المستغرق في العبادة، لا يجب عليه الرد، ولم ينقل إلينا هذا أو ذاك، لشهرته، وعدم الحاجة إلى الإخبار به، وقيل: لعلهما لم يسلما، اعتماداً على عدم مشروعية السلام على المشتغل بالعلم، وعلى كلا الجوابين لا مؤاخذة عليهما، إذ لو أتيا ما يلامان عليه لنبههما صلى الله عليه وسلم، وعلمهما، فلا وجه لهذا الإشكال أساساً.
أما الإشكال الثاني فقد قيل: لعلهما كانا على غير وضوء، ورد بأنه لو كان كذلك لنبههما صلى الله عليه وسلم، فاعتذرا، ولم ينقل إلينا شيء من ذلك، وقيل: لعلهما دخلا في وقت الكراهة، ويرد