للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يأخذ بشماله ماء، يغسل به كفه اليمنى، ثم بيمينه ماء، يغسل به مرفقه الأيسر، ولا يغسل ما بين المرفقين والكفين، ثم يغسل قدمه اليمنى، ثم اليسرى على الصفة المتقدمة، وكل ذلك في القدح، ثم داخلة إزاره، وهو الطرف المتدلي منه، فإذا استكمل هذا صبه من خلفه على رأسه، وذكروا صوراً أخرى لوضوئه أو لغسله، نسب بعضها إلى الزهري، وبعضها إلى غيره من العلماء، لا أجد طائلاً من ذكرها، فهي تأليفات وتوليفات أشبه ما تكون بعمل السحرة والمشعوذين، بل إن العلماء الذين يعتقدونها ويسوقونها يحسون -بينهم وبين أنفسهم- بعدها وعدم قبولها، فهذا النووي بعد أن ساقها يقول: وهذا المعنى لا يمكن تعليله، ومعرفة وجهه، وليس في قوة العقل الاطلاع على أسرار جميع المعلومات، فلا يدفع هذا بأن لا يعقل معناه.

اهـ أقول: بل يدفع غير المعقول ما لم يرد عن المعصوم بطريق قطعي، ومثل هذا لا أصل له في حديث صحيح، والحديث الذي اعتمدوا عليه حديث سهل بن حنيف، أخرجه مالك في الموطأ، بلفظ: عن محمد بن أبي أمامة بن سهل بن ضيف، أنه سمع أباه يقول: اغتسل أبي سهل بن حنيف بالخرار، فنزع جبة كانت عليه، وعامر بن ربيعة ينظر، قال: وكان سهل رجلاً أبيض، حسن الجلد، قال: فقال له عامر: ما رأيت كاليوم، ولا جلد عذراء، قال: فوعك سهل مكانه واشتد وعكه، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبر سهل بالذي كان من شأن عامر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "علام يقتل أحدكم أخاه؟ ألا بركت؟ إن العين حق، توضأ له، فتوضأ له عامر، فراح سهل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليس به بأس.

وفي رواية "ألا بركت؟ اغتسل له، فغسل عامر وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه وداخلة إزاره -وهي الطرف المتدلي الذي يضعه المؤتزر أولاً على حقوه الأيمن- في قدح، ثم صب عليه، فراح سهل مع الناس، ليس به بأس.

وظاهر هذا الإسناد أنه منقطع، فأبو أمامة لم يحضر الواقعة، ولم يذكر عمن أخذ الحديث، وعلى فرض اتصاله وصحته فهي واقعة عين، لا يثبت بها حكم، ويحتمل أن تكون خصوصية له صلى الله عليه وسلم، كما كان يجمع قليل الماء، فيدعو بالبركة، فيسقي القوم.

أما حديث عائشة عند أبي داود "كان يؤمر العائن، فيتوضأ ثم يغتسل منه المعين" فلم ينص فيه عن الآمر، وعائشة عاشت أكثر من أربعين سنة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم إن الاتفاق على أن الوضوء أو الغسل المطلوب من العائن ليس وضوءاً ولا غسلاً شرعياً، ولا بد من التأويل البتة، ومثل هذا لا يثبت به غير المعقول، وما لا يمكن تعليله، وكم أصابت العين في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم؟ وقد رتب القائلون بهذا الوضوء أموراً عليه، فقال النووي: وقد اختلف العلماء في العائن، هل يجبر على الوضوء للمعين؟ أم لا.؟ واحتج من أوجبه بقوله صلى الله عليه وسلم "وإذا استغسلتم فاغسلوا" وبرواية الموطأ التي ذكرناها، أنه صلى الله عليه وسلم أمره بالوضوء، والأمر للوجوب، قال المازري: والصحيح عندي الوجوب، ويبعد الخلاف فيه إذا خشي على المعين الهلاك إلا بوضوء العائن، فإنه يصير من باب من تعين عليه إحياء نفس مشرفة على الهلاك، وقد تقرر أنه يجبر على بذل الطعام للمضطر، فهذا أولى. اهـ

وهكذا بنى المازري حكمه وتقديره على مقدمات لم تثبت، ومن المستبعد أن تثبت. والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>