سحرهم أنها تسعى} [طه: ٦٦] وقوله تعالى {سحروا أعين الناس واسترهبوهم}[الأعراف: ١١٦] ومن هناك سموا موسى ساحراً، وقد يستعان في ذلك بما يكون فيه خاصية، كالحجر الذي يجذب الحديد، ويسمى المغنطيس، الثالث: ما يحصل بمعاونة الشياطين، بضرب من التقرب إليهم، وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى {ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر}[البقرة: ١٠٢] الرابع: ما يحصل بمخاطبة الكواكب، واستنزال روحانياتها بزعمهم، قال ابن حزم: ومنه ما يوجد من الطلسمات، كالطابع المنقوش فيه صورة عقرب، في وقت كون القمر في العقرب، فينفع إمساكه من لدغة العقرب. وكالمشاهد ببعض بلاد المغرب، وهي -سرقسطة- فإنها لا يدخلها ثعبان قط، إلا إن كان بغير إرادته، وقد يجمع بين الأمرين الأخيرين، كالاستعانة بالشياطين ومخاطبة الكواكب، فيكون ذلك أقوى بزعمهم، قال أبو بكر الرازي في الأحكام له: كان أهل بابل قوماً صابئين، يعبدون الكواكب السبعة، ويسمونها آلهة، ويعتقدون أنها الفعالة لكل ما في العالم، وعملوا أوثاناً على أسمائها، ولكل واحد هيكل، فيه صفحة، يتقرب إليه بما يوافقه -بزعمهم- من أدعية وبخور، وهم الذين بعث إليهم إبراهيم عليه السلام، وكانت علومهم أحكام النجوم، ومع ذلك فكان السحرة منهم يستعملون سائر وجوه السحر، وينسبونها إلى فعل الكواكب، لئلا يبحث عنها، وينكشف تمويههم. اهـ
قال الحافظ ابن حجر: واختلف في السحر، فقيل: هو تخييل فقط، ولا حقيقة له. قال النووي: والصحيح أن له حقيقة، وبه قطع جمهور العلماء، ويدل عليه الكتاب والسنة الصحيحة المشهورة.
قال الحافظ: لكن محل النزاع. هل يقع بالسحر انقلاب عين؟ أو لا؟ فمن قال: إنه تخييل فقط منع ذلك، ومن قال: إن له حقيقة اختلفوا. هل له تأثير فقط، بحيث يغير المزاج، فيكون نوعاً من الأمراض، أو ينتهي إلى الإحالة بحيث يصير الجماد حيواناً مثلاً وعكسه؟ فالذي عليه الجمهور هو الأول، وذهبت طائفة قليلة إلى الثاني، فإن كان بالنظر إلى القدرة الإلهية فمسلم -كما في عصا موسى عليه السلام- وإن كان بالنظر إلى الواقع فهو محل الخلاف، فإن كثيراً من يدعي ذلك لا يستطيع إقامة البرهان عليه، ونقل الخطابي أن قوماً أنكروا السحر مطلقاً، وكأنه عنى القائلين بأنه تخييل فقط، وذهب بعضهم إلى أن تأثير السحر لا يزيد على ما ذكر الله تعالى في قوله {فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه}[البقرة: ١٠٢](أي بالبغض والكره، عن طريق الوسوسة، وشياطين الإنس والجن بالوشاية ونحوها) لكون المقام مقام تهويل، فلو جاز أن يقع به أكثر من ذلك لذكره، قال المازري: والصحيح من جهة العقل أنه يجوز أن يقع به أكثر من ذلك، قال: والآية ليست نصاً في منع الزيادة، ولو قلنا إنها ظاهرة في ذلك، ثم قال: والفرق بين السحر والمعجزة، والكرامة أن السحر يكون بمعاناة أقوال وأفعال، حتى يتم للساحر ما يريد، والكرامة لا تحتاج إلى ذلك، بل إنما تقع غالباً اتفاقاً، وأما المعجزة فتمتاز عن الكرامة بالتحدي، ونقل إمام الحرمين الإجماع على أن السحر لا يظهر إلا من فاسق، وقال القرطبي: السحر حيل صناعية يتوصل إليها بالتعلم والاكتساب، غير أنها لدقتها لا يتوصل إليها إلا آحاد الناس، وأكثرها تخييلات بغير حقيقة، وإيهامات بغير ثبوت، فيعظم عند من لا يعرف ذلك.
قال النووي: عمل السحر حرام، وهو من الكبائر بالإجماع، وقد عده النبي صلى الله عليه وسلم من السبع الموبقات، ومنه ما يكون كفراً، ومنه ما لا يكون كفراً، بل معصية كبيرة، فإن كان فيه قول أو فعل يقتضي الكفر،