فهو كفر، وإلا فلا، وأما تعلمه وتعليمه فحرام، فإن كان فيه ما يقتضي الكفر كفر، واستتيب منه، ولا يقتل، فإن تاب قبلت توبته، وإن لم يكن فيه ما يقتضي الكفر عزر، وعن مالك: الساحر كافر، يقتل بالسحر، ولا يستتاب، بل يتحتم قتله، كالزنديق. قال عياض: وبقول مالك قال: أحمد وجماعة من الصحابة والتابعين. اهـ
وقد أجاز بعض العلماء تعلم السحر لأحد أمرين، إما لتمييز ما فيه كفر عن غيره، وإما لإزالته عمن وقع فيه، فأما الأول فلا محذور فيه، إلا من جهة الاعتقاد، فإذا سلم الاعتقاد فمعرفة الشيء بمجرده لا تستلزم منعاً، كمن يعرف كيفية عبادة أهل الأوثان للأوثان، لأن كيفية ما يعمله الساحر إنما هي حكاية قول أو فعل، بخلاف تعاطيه والعمل به، وأما الثاني: فإن كان لا يتم -كما زعم بعضهم- إلا بنوع من أنواع الكفر أو الفسق فلا يحل أصلاً، وإلا جاز للمعنى المذكور.
وذهب بعض العلماء إلى كفر تعلم السحر، فالعمل به كفر من باب أولى، مستدلين بقوله تعالى {وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر}[البقرة: ١٠٢] وجملة {يعلمون الناس السحر} تعليلية، أي لأنهم يعلمون الناس السحر، ولا يكفر بتعليم الشيء إلا وذلك الشيء كفر، كما استدلوا بقوله تعالى على لسان الملكين {إنما نحن فتنة فلا تكفر}[البقرة: ١٠٢] فإن فيه إشارة إلى أن تعلم السحر كفر، فيكون العمل به كفراً، كما استدلوا بقوله تعالى {ولا يفلح الساحر حيث أتى}[طه: ٦٩] ففيه نفي الفلاح عن الساحر، ونفي الفلاح وإن لم يكن نصاً في الكفر، لكنه كثر في القرآن إثبات الفلاح للمؤمن، ونفيه عن الكافر، فهو قرينة على كفر الساحر، وإذا كان السحر كفراً كان تعلمه كذلك.
والتحقيق أن السحر خداع، وغش، وغرس أوهام وأمراض نفسية، فتعلمه حرام والعمل به حرام ومن الكبائر، بل من أكبر الكبائر، لا خلاف في ذلك، ولكن الحكم بالكفر إذا لم تكن وسيلته كفراً في النفس منه شيء والله أعلم.
وأختم هذه الجولة بقول ابن القيم: من أنفع الأدوية، وأقوى مقاومة للسحر -الذي هو من تأثيرات الأرواح الخبيثة- الأدوية الإلهية- من الذكر والدعاء والقراءة، فالقلب إذا كان ممتلئاً من الله، معموراً بذكره كان ذلك من أعظم الأسباب المانعة من إصابة السحر له، قال: وسلطان السحر هو في القلوب الضعيفة، ولهذا غالب ما يؤثر، في النساء والصبيان والجهال. اهـ والله أعلم.
قال الحافظ ابن حجر: وقصة هاروت وماروت جاءت بسند حسن، من حديث ابن عمر، في مسند أحمد، وأطنب الطبري في إيراد طرقها؛ بحيث يقضي بمجموعها على أن للقصة أصلاً، خلافاً لمن زعم بطلانها، كالقاضي عياض، ومن تبعه، ومحصلها أن الله ركب الشهوة في ملكين من الملائكة، اختباراً لهما، وأمرهما أن يحكما في الأرض فنزلا على صورة البشر، وحكما بالعدل مرة، ثم افتتنا بامرأة جميلة، فعوقبا بسبب ذلك، بأن حبسا في بئر ببابل، منكسين، وابتليا بالنطق بعلم السحر، فصار يقصدهما من يطلب ذلك، فلا ينطقان بحضرة أحد حتى يحذراه وينهياه، فإذا أصر تكلما بذلك، ليتعلم منهما ذلك، وهما قد عرفا ذلك، فيتعلم منهما ما قص الله عنهما. اهـ
وموضوع حديث الباب السحر الذي وقع لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحصر الكلام في نقطتين أساسيتين: