للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

النقطة الأولى: ما فعله لبيد بن الأعصم والنقطة الثانية: أثر هذا الفعل على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أما ما فعل لبيد من المشط والمشاطة وجف نخل ذكر وتمثال وأبر وخلافه فهذا شأنه، ومثله يقع من كثير من المشعوذين والدجالين، وكذا إخراجه من البئر، فهذا أمر عادي، ولا يحتاج إلى نفي أو تحقق أو تأويل أو توجيه، ولا ينبت بوقوعه حكم أو خلاف في الرأي والفقه.

والمشكلة الرئيسية في أثر هذا الفعل في رسول الله صلى الله عليه وسلم، وللعلماء في ذلك توجهان:

التوجه الأول: رد الحديث أو التوقف بشأنه، لأنه بظاهره يتعارض مع مهمة الرسول صلى الله عليه وسلم يعبر المازري: عن هذا التوجه بقوله: أنكر بعض المبتدعة هذا الحديث، وزعموا أنه يحط منصب النبوة، ويشكك فيها، وكل ما أدى إلى ذلك فهو باطل، وزعموا أن تجويز ذلك يعدم الثقة بما شرعه الرسول صلى الله عليه وسلم من الشرائع، إذ يحتمل على هذا أن يخيل إليه أنه يرى جبريل، وليس هو ثم، وأنه يوحي إليه بشيء، ولم يوح إليه بشيء.

التوجه الثاني: عدم رد الحديث، وفهمه على وجه لا يؤدي إلى المحذور السابق، وهذه الوجوه:

أ- قبول ظاهر الحديث، ونفي الاحتمال الذي زعموه، لأنه احتمال قام الدليل على خلافه، يقول المازري: الدليل قد قام على صدق النبي صلى الله عليه وسلم فيما يبلغه عن الله تعالى، وعلى عصمته في التبليغ، والمعجزات شاهدات بتصديقه، فتجويز ما قام الدليل على خلافه باطل.

ب- قبول ظاهر الحديث، واستبعاد الاحتمال الذي زعموه، لأن قضية الحديث أمر دنيوي، والاحتمال الذي ذكروه أمر ديني، ولا يقاس الأمر الديني على الأمر الدنيوي، يقول المازري: ما يتعلق ببعض أمور الدنيا، التي لم يبعث لأجلها، ولا كانت الرسالة من أجلها، فهو في ذلك عرضة لما يعترض البشر، كالأمراض، فغير بعيد أن يخيل إليه في أمر من أمور الدنيا، ما لا حقيقة له، مع عصمته عن مثل ذلك في أمور الدين. اهـ

ويحسن بنا هنا أن نستعرض ما قيل من احتمالات، في فهم أثر سحر لبيد في رسول الله صلى الله عليه وسلم الوارد في عبارات الحديث، ففي روايتنا الأولى "يخيل إليه أنه يفعل الشيء وما يفعله" في رواية للبخاري "يخيل إليه أنه صنع شيئاً، ولم يصنعه" وفي رواية أخرى له "يخيل إليه أنه يفعل الشيء وما فعله" وفي ثالثة له "يخيل إليه أنه فعل الشيء وما فعله" وفي رواية رابعة له "حتى كان يرى أنه يأتي النساء، ولا يأتيهن".

ويوضح المازري الوجه السابق ذكره، فيقول: قال بعض الناس: إن المراد بالحديث أنه كان صلى الله عليه وسلم يخيل إليه أنه وطئ زوجاته، ولم يكن وطأهن، وهذا كثيراً ما يقع تخيله للإنسان في المنام، فلا يبعد أن يخيل إليه في اليقظة.

ج- قبول ظاهر الحديث، لكن هناك فرق بين تخيل ما ليس في الواقع واقعاً، وبين اعتقاد ما ليس في الواقع واقعاً، ولا يلزم من أنه كان يتخيل أنه فعل الشيء، ولم يكن فعله، أن يجزم بأنه فعله، وإنما يكون ذلك من جنس الخاطر، يخطر، ولا يثبت، ولا يرد على هذا الاحتمال الذي ذكروه، فالخواطر على قسمين: خواطر لا تستقر، وهي التي يطلق عليها الوسوسة، وهي المرادة بالتخيل هنا، وخواطر

<<  <  ج: ص:  >  >>