مستقرة، تصل إلى الظن والاعتقاد، وهي غير مرادة هنا، فقول عائشة في رواية عبد الرزاق "حتى كاد ينكر بصره" معناه أنه صار كالذي أنكر بصره، بحيث إنه إذا رأى الشيء يخيل إليه أنه على غير صفته، فإذا تأمله عرف حقيقته، ويؤكد هذا المراد أنه لم ينقل عنه في خبر من الأخبار أنه قال قولاً، فكان بخلاف ما أخبر به.
د- قال القاضي عياض: إن السحر إنما تسلط على جسده وظواهر جوارحه، لا على تمييزه وقلبه ومعتقده، وكل ما جاء في الروايات، من أنه يخيل إليه فعل شيء لم يفعله، ونحوه، فمحمول على التخيل بالبصر، لا لخلل تطرق إلى العقل، وليس في ذلك ما يدخل لبساً على الرسالة، ولا طعناً لأهل الضلالة. اهـ وقال المهلب: ما ناله من ضرر السحر لا يدخل نقصاً على ما يتعلق بالتبليغ، بل هو من جنس ما كان يناله من ضرر سائر الأمراض، من ضعف عن الكلام، أو عجز عن بعض الفعل، واستدل ابن القصار على أن الذي أصابه كان من جنس المرض بقوله في آخر الحديث "أما أنا فقد عافاني الله" وفي رواية للبخاري "فقد شفاني الله" وعن عائشة عند البيهقي في الدلائل "فكان يدور، ولا يدري ما وجعه" وفي حديث ابن عباس عند ابن سعد "مرض النبي صلى الله عليه وسلم، وأخذ عن النساء والطعام والشراب، فهبط عليه ملكان".
هـ- وقال القاضي عياض: يحتمل أن يكون المراد بالتخيل المذكور أنه يظهر له من نشاطه ما ألفه من سابق عادته، من الاقتدار على الوطء، فإذا دنا من المرأة فتر عن ذلك، كما هو شأن المعقود.
وهذا فهم قريب من سابقه، باعتباره عجزاً جسدياً، ناشئاً من تغير المزاج فهو نوع من الأمراض، ومن المعروف عند أهل السنة أن الله تعالى خالق الأسباب والمسببات جميعاً، وقد شاءت إرادته أن يربط المسببات بأسبابها، وأن يخلق المرض في السليم إذا لاقى مريضاً، قال النووي: فلا يستنكر في العقل أن الله سبحانه وتعالى يخرق العادة، عند النطق بكلام ملفق، أو تركيب أجسام، أو المزج بين قوي، على ترتيب لا يعرفه إلا الساحر. اهـ
المناقشة والتحقيق:
أولاً: جميع روايات هذا الحديث عن عائشة -رضي الله عنها-، فيما عدا رواية ابن عباس عند ابن سعد وهي ضعيفة جداً من حيث الإسناد، فضلاً عن أن مثل هذا الأمر لا يعلمه ابن عباس إلا من طريق مخبر له، إما عائشة وإما إحدى الزوجات وإما الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم يسند إلى أي منهم، وكونه في هذه الرواية ممن ذهب لإخراج السحر في روايته لا يعطي شيئاً عن حال مرضه صلى الله عليه وسلم مع أزواجه.
وقد نتساءل: إذا كان التأثير في إتيان النساء، وعائشة رضي الله عنها حينئذ واحدة من سبع، لها ليلة من كل أسبوع، وقد استمرت الحالة أربعين يوماً أو ستة أشهر، فماذا كان الحال عند غيرها من نسائه صلى الله عليه وسلم؟ هل تخيل عندهن كما تخيل عندها؟ أم كان الحال خاصاً بها؟ وإذا كان الأول فلماذا لم يرد عن إحداهن مثل ما ورد عنها؟ وإذا كان الثاني احتمل أن يكون لحالة نفسية وتغير مزاجه منها لأمر من أمور الحياة، فهو انصراف يحدث كثيراً، ولا يرد عليه أي اعتراض بالتقصير في التبليغ، وكذا لو كان انصرافاً عاماً عن جميع نسائه، وتخيلاً خاصاً بالعلاقة الزوجية، فلا