عليه السلام، إذ أخرج الطبري وابن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير قال "أمر موسى بني إسرائيل أن يذبح كل رجل منهم كبشاً، ثم ليخضب كفه في دمه، ثم ليضرب به على بابه، ففعلوا، فسألهم القبط عن ذلك؟ فقالوا: إن الله سيبعث عليكم عذاباً، وإنما ننجو منه بهذه العلامة، فأصبحوا وقد مات من قوم فرعون سبعون ألفاً، فقال فرعون عند ذلك لموسى {ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك}[الأعراف: ١٣٤] الآية فدعا، فكشفه الله عنهم "قال الحافظ ابن حجر: وهذا الخبر مرسل جيد الإسناد، وأخرج عبد الرزاق في تفسيره، والطبري من طريق الحسن، في قوله تعالى {ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت} قال: فروا من الطاعون {فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم}[البقرة: ٢٤٣] ليكملوا بقية آجالهم".
والإشارة إلى بني إسرائيل إشارة إلى ما جاء في قصة بلعام، اعتماداً على ما أخرج الطبري، من طريق سليمان التيمي أحد صغار التابعين، عن سيار: أن رجلاً كان يقال له بلعام، كان مجاب الدعوة، وأن موسى أقبل في بني إسرائيل، يريد الأرض التي فيها بلعام، فأتاه قومه، فقالوا له: ادع الله عليهم.
فقال: حتى أؤامر ربي، فمنع، فأتوه بهدية فقبلها، وسألوه ثانياً، فقال: حتى أؤامر ربي، فلم يرجع إليه بشيء، فقالوا: لو كره لنهاك، ادع عليهم، فدعا عليهم، فصار يجري على لسانه ما يدعو به على بني إسرائيل فينقلب على قومه، فلاموه على ذلك، فقال: سأدلكم على ما فيه هلاكهم، أرسلوا النساء، في عسكرهم، ومروهن أن لا يمتنعن من أحد، فعسى أن يزنوا فيهلكوا، ففعلوا، فوقع الطاعون في بني إسرائيل، فمات منهم سبعون ألفاً في يوم، والمقلل يقول: عشرون ألفاً. وذكر ابن إسحق أن الله أوحى إلى داود عليه السلام، أن بني إسرائيل كثر عصيانهم، فخيرهم بين ثلاث: إما أن يبتليهم بالقحط، أو بالعدو، أو بالطاعون ثلاثة أيام، فأخبرهم، فقالوا: اختر لنا، فاختار الطاعون، فمات منهم -إلى أن زالت الشمس- سبعون ألفاً، وقيل: مائة ألف، فتضرع داود إلى الله تعالى، فرفعه.
فيحتمل أن تكون "أو" بمعنى الواو، من قبيل عطف المغاير، ويراد بمن قبلنا، من غير بني إسرائيل ويكون المعنى: أرسل على بني إسرائيل، وعلى أقوام غيرهم ممن كان قبلنا.
(فإذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فراراً منه) الصحيح أن علة النهي عن القدوم عليه التحرز من العدوى. فإن السليم إذا دخل أرض وباء معد، لعرض نفسه للعدوى والإصابة، والنهي عن خروج من وقع الطاعون بأرض هو بها، عدم نقل العدوى من مكان الوباء إلى غيره، ومنع انتشاره، وهذا هو المعروف في عرف الطب في أرقى العصور بالعزل الصحي، أو الحجر الصحي، أي محاصرة المرض المعدي في أضيق حدوده، وهذا لا يتعارض مع الإيمان بالقضاء والقدر، ولا مع أن العدوى لا تؤثر بنفسها، بل بإرادة الله تعالى، وسيأتي مزيد لهذه المسألة.
وقيل: إن حكمة النهي عن القدوم عليه أن لا يندم من قدم عليه فأصيب بتقدير الله تعالى، فيقول: لولا أني قدمت هذه الأرض لما أصابني، يا ليتني لم أقدم إليها، مع أنه ربما لو أقام في الموضع الذي كان فيه لأصابه، فأمر أن لا يقدم عليه حسماً لهذا الندم، لا للوقاية الفعلية، ونهي من وقع وهو بها أن