وهذا الدليل من القياس الواضح الجلي، الذي لا شك في صحته، ولا ينازع فيه أحد، مع مساواته لمسألة النزاع، أي إن الله تعالى أمر بالاحتياط والحزم ومجانبة أسباب الهلاك، كما أمر سبحانه وتعالى بالتحصن من سلاح العدو، وتجنب المهالك، وإن كان كل واقع بقضاء الله وقدره، السابق في علمه.
وفي ملحق الرواية "أرأيت أنه لو رعى الجدبة، وترك الخصبة، أكنت معجزه؟ بضم الميم وفتح العين وتشديد الجيم المكسورة، أي أكنت تتهمه بالعجز؟ "قال: نعم" اتهمه بالعجز وسوء التصرف، "قال: فسر إذا" أنت يا أبا عبيدة إلى البلد التي خرجت منها بالشام، وسأسير أنا إلى البلد التي خرجت منها، وهي المدينة.
ومقصود عمر رضي الله عنه أن الناس رعية لي، استرعانيها الله تعالى، فيجب على الاحتياط لها، فإن تركت الاحتياط نسبت إلى العجز والتقصير، واستوجبت العقوبة.
(فسار حتى أتى المدينة، فقال: هذا المحل، أو قال: هذا المنزل، إن شاء الله) هما بمعنى، والمحل بفتح الحاء وكسرها، والفتح أقيس.
(إضافة) قال النووي: قال أبو الحسن المدائبني: كانت الطواعين المشهورة العظام في الإسلام خمسة:
طاعون شيرويه بالمدائن، على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، في سنة ست من الهجرة، ثم طاعون عمواس -بفتح العين، وبفتح الميم وتسكينها، قيل سمي بذلك لأنه عم، وواسى، وهي قرية معروفة بالشام، في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكان بالشام، مات فيه خمسة وعشرون ألفاً، مات فيه لأنس بن مالك رضي الله عنه ثلاثة وثمانون ابناً، ويقال: ثلاثة وسبعون ابناً، ومات لعبد الرحمن بن أبي بكرة أربعون ابناً، ثم طاعون الفتيات في شوال سنة سبع وثمانين.
وذكر ابن قتيبة عن الأصمعي: أن أول طاعون كان في الإسلام طاعون عمواس بالشام في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فيه توفي أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه، ومعاذ بن جبل وامرأتاه وابنه، رضي الله عنهم، ثم الطاعون الجارف في زمن ابن الزبير سنة سبع وستين، ثم طاعون الفتيات، لأنه بدأ في العذارى والجواري بالبصرة، وبواسط وبالشام والكوفة، وكان الحجاج يومئذ بواسط، في ولاية عبد الملك بن مروان، وكان يقال له: طاعون الأشراف، لما مات فيه من الأشراف، ثم طاعون عدي بن أرطاة، سنة مائة، ثم طاعون غراب سنة سبع وعشرين ومائة، ثم طاعون مسلم بن قتيبة، سنة إحدى وثلاثين ومائة، ولم يقع بالمدينة ولا بمكة طاعون. اهـ
قال النووي: وكان طاعون عمواس -موضوع حديثنا- سنة ثماني عشرة، وعمواس قرية بين الرملة وبيت المقدس، نسب الطاعون إليها، لكونه بدأ فيها. والله أعلم.