الموت" وعند الحاكم "إذا ظهر الزنا والربا في قرية، فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله" وعند الطبراني "ما من قوم يظهر فيهم الزنا إلا أخذوا بالفناء" وعند الحاكم "ولا ظهرت الفاحشة في قوم إلا سلط الله عليهم الموت" وعند أحمد "لاتزال أمتي بخير ما لم يفش فيهم ولد الزنا، فإذا فشا فيهم ولد الزنا أوشك أن يعمهم الله بعقاب" ففي هذه الأحاديث -على ما في بعضها من ضعف- أن الطاعون قد يقع عقوبة بسبب المعصية، فكيف يكون شهادة؟ .
قال الحافظ ابن حجر: يحتمل أن يقال: بل تحصل له درجة الشهادة، لعموم الأخبار الواردة، ولا سيما حديث أنس "الطاعون شهادة لكل مسلم" ولا يلزم من حصول درجة الشهادة لمن اجترح السيئات، مساواته بالمؤمن الكامل في المنزلة، لأن درجات الشهداء متفاوتة، كنظيره من العصاة إذا قتل مجاهداً في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا، مقبلاً غير مدبر، ومن رحمة الله بهذه الأمة أن يعجل لهم العقوبة في الدنيا، ولا ينافي ذلك أن يحصل لمن وقع به الطاعون أجر الشهادة، ولا سيما وأكثرهم لم يباشر تلك الفاحشة، وإنما عمهم -والله أعلم- لتقاعدهم عن إنكار المنكر. وقد أخرج أحمد وصححه ابن حبان "القتل ثلاثة. رجل جاهد بنفسه وماله في سبيل الله، حتى إذا لقى العدو قاتلهم حتى يقتل، فذاك الشهيد المفتخر، في خيمة الله، تحت عرشه، لا يفضله النبيون إلا بدرجة النبوة، ورجل مؤمن قرف على نفسه من الذنوب والخطايا، جاهد بنفسه وماله في سبيل الله، حتى إذا لقى العدو قاتلهم حتى يقتل، فانمحت خطاياه -إن السيف محاء للخطايا- ورجل منافق، جاهد بنفسه وماله في سبيل الله، حتى إذا لقى العدو قاتله حتى يقتل، فهو في النار، إن السيف لا يمحو النفاق" ثم قال الحافظ ابن حجر: وأما الحديث الآخر الصحيح "إن الشهيد يغفر له كل شيء إلا الدين" فإنه يستفاد منه أن الشهادة لا تكفر التبعات، وحصول التبعات لا يمنع حصول درجة الشهادة، وليس للشهادة معنى إلا أن الله يثيب من حصلت له ثواباً مخصوصا، ويكرمه كرامة زائدة.
بل جاء في بعض الأحاديث استواء شهيد الطاعون وشهيد المعركة، فأخرج أحمد بسند حسن "يأتي الشهداء والمتوفون بالطاعون، فيقول أصحاب الطاعون: نحن شهداء، فيقال: انظروا فإن كان جراحهم كجراح الشهداء، تسيل دماً، وريحها كريح المسك، فهم شهداء، فيجدونهم كذلك" وعند أحمد أيضاً والنسائي بسند حسن "يختصم الشهداء والمتوفون على فرشهم إلى ربنا عز وجل في الذين ماتوا بالطاعون، فيقول الشهداء: إخواننا (الذين ماتوا بالطاعون) قتلوا كما قتلنا (أي فهم مثلنا شهداء) ويقول الذين ماتوا على فرشهم: إخواننا ماتوا على فرشهم، كما متنا، فيقول الله عز وجل: انظروا إلى جراحهم، فإن أشبهت جراح المقتولين فإنهم منهم، فإذا جراحهم أشبهت جراحهم" وفي رواية زيادة "فيلحقون بهم".
والتحقيق أن الطاعون وإن كان عذاباً لعصاة المؤمنين فهو رحمة بهم من عذاب الآخرة. والله أعلم.
٢ - وفي قصة عمر رضي الله عنه، الرواية الثامنة وما بعدها الاحتراز من المكاره وأسبابها.
٣ - والتسليم لقضاء الله عند حلول الآفات، وعدم القدرة على دفعها. قال النووي: وهذان المأخذان