للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

١ - ذهب فريق منهم إلى الأخذ بحديث "لا عدوى" وتزييف الأخبار الدالة على عكس ذلك، وردها، فأعلوا حديث البخاري "وفر من المجذوم فرارك من الأسد" بالشذوذ، واستدلوا بأن عائشة أنكرت ذلك، فأخرج الطبري عنها أن امرأة سألتها عنه؟ فقالت: ما قال ذلك، ولكنه قال: لا عدوى، وقال: فمن أعدى الأول؟ قالت: وكان لي مولى به هذا الداء (الجذام) فكان يأكل في صحافي، ويشرب في أقداحي، وينام على فراشي" وبأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيد مجذوم، فوضعها في القصعة وقال: كل ثقة بالله وتوكلا عليه". وبأن أبا هريرة تردد في هذا الحكم روايتنا الرابعة، فقوله "لا يورد ممرض على مصح" لا يؤخذ به، ويؤخذ الحكم من رواية غيره، وبأن الأخبار الواردة من رواية غيره في نفي العدوى كثيرة شهيرة، بخلاف أخبار المجذوم السابقة، فقد أخرج أحدها ابن ماجه، بسند ضعيف، وأخرج الثاني أبو نعيم بسند واه، وأخرج الثالث الطبري بسند منقطع، وأما حديث مسلم، روايتنا السادسة والعشرون، فليس صريحاً في أن ذلك بسبب الجذام.

قال الحافظ ابن حجر: والجواب عن ذلك أن طريق الترجيح، لا يصار إليه إلا إذا تعذر الجمع، وهو ممكن.

٢ - وذهب الفريق الثاني إلى مثل ما ذهب إليه الفريق الأول، لكنه قال: إن الأمر باجتناب المجذوم منسوخ، وممن قال بذلك عيسى بن دينار من المالكية، وجماعة من السلف.

ويرد هذا بأن النسخ لا يصار إليه بالاحتمال، ولا بد فيه من معرفة المتأخر، وبأنه لا يصار إليه مع إمكان الجمع، وهو ممكن.

٣ - وذهب الفريق الثالث إلى عكس الفريقين السابقين، فردوا حديث "لا عدوى" بأن أبا هريرة رجع عنه، في روايتنا الرابعة، إما لشكه فيه، وإما لثبوت عكسه عنده، قالوا: والأخبار الدالة على الاجتناب أكثر مخارج، وأكثر طرقاً، فالمصير إليها أولى، فهناك عدوى ويجب الفرار منها، قالوا: وأما حديث جابر "أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ بيد مجذوم فوضعها في القصعة .. إلخ ففيه نظر، وقد أخرجه الترمذي وبين الاختلاف فيه على راويه، ورجح وقفه على عمر، وعلى تقدير ثبوته فليس فيه أنه صلى الله عليه وسلم أكل معه، وإنما فيه أنه وضع يده في القصعة، وعلى فرض أنه أكل معه، فيحتمل أن جذام هذا المجذوم كان يسيراً، لا يعدي مثله في العادة، إذ ليس الجذمي كلهم سواء، ولا يحصل العدوى من جميعهم، ويحتمل أن هذا المجذوم كان جذامه قد توقف عن أن يعدي بقية جسمه، فلا يعدي غيره.

ويقول الطبائعيون بتأثير الأشياء بعضها في بعض، وإيجادها إياها، فالبعير الأجرب يؤثر في السليم، وينقل الجرب إليه، ويوجد الجرب في السليم، وسموا المؤثر طبيعة.

ويقول المعتزلة: إن الله خلق الأسباب والمسببات، وربطها ببعضها، فالأسباب توجد المسببات، وتؤثر فيها بذاتها، بل يعبرون عن هذا التأثير بالخلق، فيقولون: إن البعير الأجرب خلق الجرب واخترعه في البعير الصحيح.

ويقول أهل السنة المثبتون للعدوى: إن الله تعالى شاءت حكمته أن يخلق مرضاً في البعير السليم مشبهاً مرض المريض عند مخالطة الأجرب للصحيح، من غير تأثير لهذه المخالطة، فالفاعل المؤثر في الكون كله هو الله تعالى وحده.

<<  <  ج: ص:  >  >>