للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(وحتى تكون السجدة الواحدة خيرا من الدنيا وما فيها) أي في نظر الناس حينئذ، وإلا فإن السجدة في واقع الأمر منذ القدم خير من الدنيا وما فيها، والمراد من الدنيا وما فيها من زينة وبهجة دنيوية، فلا يقال: إن الطاعات مما يقع في الدنيا، وقيل: المعنى حتى لا يتقربوا إلى الله إلا بالعبادة، لا بالتصدق بالمال، أي حتى تكون السجدة الواحدة خيرا من التصدق بالدنيا وما فيها، لعدم حاجة الناس إلى الصدقة. وهل المراد بالسجدة عينها المتعارف من وضع الجبهة على الأرض، أو المراد منها الركعة من إطلاق الجزء وإرادة الكل، على سبيل المجاز المرسل؟ قيل وقيل.

ورواية البخاري "حتى تكون السجدة الواحدة خير من الدنيا وما فيها" برفع "خير" وتحمل على أن اسم كان ضمير الشأن والقصة والسجدة مبتدأ وخير خبره، والجملة خبر كان. على رأي للنحاة. والتقدير: حتى تكون القصة والحال السجدة الواحدة خير من الدنيا وما فيها.

{وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته} "إن" نافية، والمراد من أهل الكتاب اليهود والنصارى، والظاهر من السياق أن مذهب أبي هريرة أن الضمير في "به" والضمير في "موته" يعود على عيسى، على معنى: لا يبقى أحد من اليهود والنصارى إذا نزل عيسى إلا آمن به، وعلم أنه عبد الله وابن أمته قبل أن يموت عيسى وبهذا جزم ابن عباس فيما رواه ابن جرير، قال قبل موت عيسى: والله إنه لحي، ولكن إذا نزل آمنوا به أجمعون وهذا مذهب جماعة من المفسرين.

وقيل: إن الضمير في به لعيسى، والضمير في "موته" للكتابي، والمعنى: وما من أهل الكتاب أحد يحضره الموت إلا آمن عند الموت، قبل خروج روحه بعيسى صلى الله عليه وسلم وأنه عبد الله وابن أمته، ولكن لا ينفعه هذا الإيمان لأنه في حضرة الموت وحالة النزع. قال النووي: وهذا التفسير أظهر. فإن الأول يخص الكتابي الموجود في زمن نزول عيسى، وظاهر القرآن عمومه لكل كتابي في زمن نزول عيسى وقبل نزوله، ويؤيد هذا قراءة من قرأ "قبل موتهم" وأيده الحافظ ابن حجر بما رواه ابن جرير عن ابن عباس قال: "لا يموت يهودي ولا نصراني حتى يؤمن بعيسى"، فقال له عكرمة: أرأيت إن خر من بيت، أو احترق، أو أكله السبع؟ قال: لا يموت حتى يحرك شفتيه بالإيمان بعيسى.

وقيل: إن الضمير في "به" يعود لله أو لمحمد عليه الصلاة والسلام وهو بعيد.

(ولتتركن القلاص) بكسر القاف، جمع قلوص بفتحها، وهي من الإبل بمنزلة الفتاة من النساء والفتى من الرجال، وإنما ذكرت القلاص لكونها أشرف الإبل التي هي أنفس الأموال عند العرب.

(فلا يسعى عليها) أي لا يعتني بها، ويتشاغل عنها أهلها، فهو شبيه بقوله تعالى: {وإذا العشار عطلت} [التكوير: ٤] وقيل: لا يسعى عليها أي لا تطلب زكاتها إذ لا يوجد من يقبلها، قال النووي: وهذا تأويل باطل من وجوه كثيرة، تفهم من هذا الحديث وغيره، والصواب الأول، اهـ. وعندي أنه تأويل مقبول محتمل، بعد الذي قيل في معنى وضع الجزية وفيض المال.

<<  <  ج: ص:  >  >>