للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الرواية، وحكى الخطابي أن بعضهم رواه بالباء الموحدة، فإن كان محفوظا فمعناه الفصيح بالإنذار، لا يكنى ولا يورى، بل يعرب ويبين، يقال: رجل عربان، أي فصيح اللسان.

(فالنجاء) بالمد مفعول مطلق، أو مفعول به لفعل محذوف، تقديره: انجوا، أو الزموا واطلبوا، قال القاضي عياض: المعروف في النجاء، إذا أفرد، المد وحكى أبو زيد فيه القصر أيضا فإذا ما كرروه، فقالوا: النجاء. النجاء ففيه المد والقصر معا، وروايتنا بالإفراد، ورواية البخاري بالتكرار، قال الحافظ ابن حجر: بالمد فيهما، وبمد الأولى وقصر الثانية، وبالقصر فيهما تخفيفا، وفيه إشارة إلى أنهم لا يطيقون مقاومة ذلك الجيش.

(فأطاعه طائفة من قومه) في طلبه الفرار من وجه العدو، أي صدقوه، فأطاعوه، والتذكير في "فأطاعه" مع أن الفاعل مؤنث "طائفة" على تقدير بعض القوم، وفي رواية "فأطاعته" بالتأنيث.

(فأدلجوا) بهمزة قطع فسكون، أي ساروا أول الليل، أو ساروا الليل كله، على الاختلاف في مدلول هذه اللفظة، قال الحافظ ابن حجر: وأما بالوصل والتشديد، على أن المراد به سير آخر الليل، فلا يناسب هذا المقام.

(فانطلقوا على مهلتهم) قال النووي: هكذا هو في جميع نسخ مسلم "مهلتهم" بضم الميم وإسكان الهاء وبتاء بعد اللام وفي الجمع بين الصحيحين "على مهلهم" بفتح الميم والهاء الأولى، وبحذف التاء، قال: وهما صحيحان، اهـ. والمعنى انطلقوا وساروا على هينة وراحة، ونجوا من عدوهم.

(وكذبت طائفة منهم) أي كذبت النذير في خبره عن جيش العدو، أي فلم يطيعوه، ولم يأخذوا حذرهم، ولم يهربوا من بطشه، وعبر عن الطائفة الأولى بالطاعة لأنها مسبوقة بالتصديق، مستلزمة له، فإثباتها إثبات له، وفي الثانية بالتكذيب، لأنه الأساس في عدم الطاعة، فاستتبع العصيان، والمراد الأمران في كل منهما، تصديق وطاعة في جانب، وتكذيب وعصيان في جانب، فحذف من كل لازمه.

(فأصبحوا مكانهم) تصريح بما دل عليه اللازم.

(فصبحهم الجيش فأهلكهم، واجتاحهم) معنى "صبحهم" أتاهم صباحا مبكرا وهم نائمون، ثم كثر استعماله، حتى استعمل فيمن طرق بغتة، في أي وقت كان، ومعنى "اجتاحهم" استأصلهم، من جحت الشيء، أجحته، إذا استأصله، والاسم الجائحة، وهي الهلاك، وأطلقت على الآفة، لأنها مهلكة، وذكر الاجتياح بعد الإهلاك لتأكيده وقوته.

قال الطيبي: شبه صلى الله عليه وسلم نفسه بالرجل، وشبه ما جاء به من الوعد والوعيد بإنذار الرجل قومه بالجيش، وشبه من أطاعه من أمته بمن أطاع الرجل وصدقه، وشبه من عصاه من أمته بمن كذب الرجل في إنذاره، والنتيجة شبيهة بالنتيجة.

(إنما مثلي ومثل أمتي) من حيث موقف الأمة مما جاء به صلى الله عليه وسلم، والقصر بإنما قصر إضافي، لأن مثله صلى الله عليه وسلم مع أمته ليس مقصورا على هذا، فقد سبق مثل، وسيأتي غيره.

<<  <  ج: ص:  >  >>