للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(كمثل رجل استوقد نارا) أي أوقد نارا، واستوقد أبلغ من أوقد، فزيادة المبني تفيد زيادة المعنى، زاد في الرواية الثالثة "فلما أضاءت ما حولها" والإضاءة فرط الإنارة، والمراد بذلك ظهور الحق ووضوحه، مما يرفع عذر المعتذر.

(فجعلت الدواب والفراش يقعن فيه) أي في هذا الشيء الموقد، وفي الرواية الثالثة والرابعة "يقعن فيها" والدواب كل ما يدب على الأرض ولو لحظة، فيشمل الطير ويكون ذكر الفراش وغيره بعده من ذكر الخاص بعد العام، ويحتمل أن يراد بالدابة ما من شأنه يمشي على الأرض، فيكون عطف الطير عليه من العطف المغاير، وعلى كل فالمراد من الدواب التي تسقط في النار بعضها مما من شأنه أن يجري نحو النار يجهل عاقبتها، فيسقط فيها، كالخنافس والصرار وبعض الحشرات، أما الفراش فالمراد منه النوع المعروف من الطير، ذو الأجنحة التي هي أكبر كثيرا من جثته، وأنواعه مختلفة في الكبر والصغر، وكذا أجنحته، وأغرب ابن قتيبة فقال: المراد من الفراش ما يتهافت في النار من البعوض، وقال الخليل: الفراش كالبعوض، يلقي بنفسه في النار. وقال بعضهم: الفراش ما تراه كصغار البق، يتهافت في النار، وقال المازري: المراد من الفراش الجنادب. اهـ. ربما لأنه ورد في الرواية الرابعة، ولفظها "فجعل الجنادب والفراش يقعن فيها" فجعله من عطف التفسير، وتعقب بأن الجنادب جمع جندب، وفيها ثلاث لغات، ضم الجيم مع ضم الدال وفتحها، وكسر الجيم مع فتح الدال، وهو الصرار الذي يشبه الجراد، وقال أبو حاتم: الجندب على خلقة الجراد، له أربعة أجنحة، كالجرادة وأصغر منها، يطير ويصر بالليل صرا شديدا.

وفي الرواية الثالثة "جعل الفراش، وهذه الدواب التي في النار، يقعن فيها" ومعنى الموصول وصلته التي من شأنها الدخول في النار.

(وجعل يحجزهن، ويغلبنه، فيتقحمن فيها) "جعل" هنا للصيرورة، والحجز المنع، والتقحم أصله القحم والإقدام والوقوع في الأمور الشاقة من غير تثبت، ويطلق على رمي الشيء بغتة، ومثله الاقتحام، يقال: اقتحم الدار هجم عليها، وفي الرواية الثانية "فأنا آخذ بحجزكم، وأنت تقحمون فيه" بفتح التاء والقاف، وتشديد الحاء، وحذف إحدى التاءين، أي تتقحمون، قال النووي: "آخذ" روي بوجهين، أحدهما اسم فاعل، بكسر الخاء، وتنوين الذال، والثاني فعل مضارع بضم الخاء والذال، وهما صحيحان، والأول أشهر. اهـ.

"وحجزكم" بضم الحاء وفتح الجيم وضمها جمع حجزة بضم الحاء وسكون الجيم، وهي معقد الإزرار من وسط الإنسان، ومن السراويل موضع التكة، وفي الرواية الرابعة "فجعل الجنادب والفراش يقعن فيها، وهو يذبهن عنها- أي يدفعهن ويبعدهن عنها- وأنا آخذ بحجزكم عن النار، وأنتم تفلتون من يدي" قال النووي: روي بوجهين: أحدهما فتح التاء والفاء واللام المشددة، وأصله تتفلتون، حذفت إحدى التاءين، والثاني ضم التاء، وإسكان الفاء وكسر اللام، وكلاهما صحيح، يقال: أفلت مني، وتفلت مني، إذا نازعك الغلبة، والهرب، ثم غلب وهرب وفي الرواية الثالثة "أنا آخذ بحجزكم عن النار. هلم عن النار. هلم عن النار. هلم عن النار. فتغلبوني، تقتحمون فيها" و"هلم" اسم فعل أمر،

<<  <  ج: ص:  >  >>